تناول كثير من الأقلام أثر وسائط التواصل الإلكتروني على التواصل الإنساني، وكيف أن أفراد الأسرة الواحدة أصبحوا منعزلين حتى أثناء جلوسهم في نفس المكان، كما تنقل الوسائط صور عائلات بأكملها وهم مشغولون كل بهاتفه المحمول، دون أي تواصل مع الآخرين، وكذلك كيف يتصل أفراد الأسر الواحدة بغيرهم، بمن هم في غرف أخرى من المنزل بواسطة الهاتف، دون أن يكلف أحدهم نفسه عناء الانتقال إلى حيث أخوه ليتواصل معه وجهاً لوجه. أما الحديث عن أثر ذلك على العلاقات الأخوية ودفئها فحدّث ولا حرج، حيث إن هذه العلاقات تأثرت سلباً بلا شك بهذا النوع من التواصل الذي صدق من سمّاه التفاصل في مقابلة التواصل الذي اعتدنا عليه عصوراً طويلة. ولا شك في أن الحال إذا استمر على ما هو عليه فسوف تكون نتائجه أكثر خطراً على العلاقات الأخوية والروابط العائلية، علاوة على ضعف مهارات الاتصال بين الأفراد وفقدان مشاعر الألفة والمحبة والتكافل التي هي أمر شرعي، إضافة إلى كونها عادات تربينا عليها في مجتمعنا وورثنا معها التكافل بين الأفراد الذي يجسّد قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، لكن الحديث عن انتشار هذه الظاهرة وآثارها المدمرة لا يكفي، بل لا بد من مواجهته بما يحفظ للأسر والأفراد في مجتمعنا تواصلهم وعلاقاتهم الأخوية، خاصة أفراد الأسرة الواحدة ثم العائلات والجيران. ولا شك في أن المجالس الأسرية الأسبوعية والدورية التي تعقدها كثير من الأسر في بلادنا، تؤدي دوراً محموداً في مواجهة آثار انصراف الكثيرين إلى الانشغال بهواتفهم عن التواصل مع أقرب الناس إليهم، خاصة إذا كانت هذه المجالس تُدار بطريقة يحرص أصحابها على تنويع أنشطتها وانتظامها، وعقدها في أوقات تمكّن كافة أفراد الأسرة من حضورها، وتجمع بين الثقافة الاجتماعية والمعارف الإنسانية والترفيه، وتعويد الشباب على المهارات اللازمة في حياتهم اليومية، وفي مقدمتها مهارات التواصل اللفظي، والحديث بطلاقة في مواجهة الآخرين، وهي مهارات يحتاجها الكثيرون، ويؤدي انصرافهم عن العلاقات المباشرة مع الآخرين إلى إضعافها، إضافة إلى أن هذه المجالس تؤدي إلى توثيق العلاقات بين الأفراد، ويجد فيها كل منهم مَن يفضي إليه بهمومه ومن يشاركه آلامه وطموحاته، كما يتبادلون من خلالها الأفكار والتجارب الناجحة، ويتعرفون على الكثير من الحقائق التي يجهلونها وتعينهم على ما يواجهونه في حياتهم العملية أو العلمية.. والذين جرّبوا حضور هذه المجالس يعرفون أن الكثيرين تعرفوا من خلالها على فرص علمية وعملية، غيَّرت مجرى حياتهم إلى الأفضل، ومن هنا فإنني أدعو كافة مكونات المجتمع، خاصة أبناء الأسرة الواحدة لينتظموا في هذه المجالس، ويتعاونوا على اقتسام أعبائها كما يقتسمون فوائدها.