هناك من يأكل ليعيش وهناك من يأكل ليتباهى، وهناك من يقرأ الكتب ليتعلم ويزداد خبرة ومعرفة، وهناك من يستخدمها كجزء من ديكور منزله ليثبت للآخرين أنه (مثقف)...!
المتفاخرون بالمعرفة أحد الظواهر السلبية التي تؤثر على المجتمعات وتلصق بها خصائص غير موجودة، ليجدوا أنفسهم مع أول تجربة استحقاق حقيقية أضحوكة للكوكب لسقوط ورقة التوت، الأشخاص الذين يدّعون أنهم يعرفون كل شيء عن كل شيء، ويتحدثون دون توقف عن معرفتهم وخبرتهم في شتى المجالات انطلاقا من طريقة إعداد طبق الحمص بالطحينة، حتى دراسة تأثير اتساع ثقب الأوزون، وفي وقت فراغهم يناقشون أيهما أكثر براعة مسي الميامي أم رونالدو النصراوي، هؤلاء يعتبرون عاملا سلبيا يعرقل السلام والتنمية في بلدانهم أولا ثم البلدان المستهدفة ثانيا، المتفاخرون بالمعرفة ينتهجون الاستفزاز والإزعاج وقرع الطبول بلا هدف ولا بوصلة لجذب الانتباه، ويحاولون دائما إثبات أنفسهم وإبراز معرفتهم الوهمية بطريقة مبالغ فيها، مما يسبب شعورا بالاستياء المبرر لدى الآخرين الذين يقومون بعملهم على أتم وجه، إن وجود المتفاخرين بالمعرفة يؤذي بلدانهم ويؤدي إلى تقليل الثقة وتراجع الروح الجماعية والتضامنية مع مجتمعاتهم المتهالكة، وهذا يؤثر بشكل كبير على العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياحية.
وبما أننا نتحدث عن المتفاخرين وما أكثرهم حولنا، هناك بلدان لم تفلح في تنظيم مباراة كرة قدم يحضرها 20 ألف متفرج، لكنهم يتبرعون بالنصائح والإرشادات كل موسم حج، والمشكلة الكبرى أنهم يتبرعون بالنصائح والخزعبلات لشعب السعودية العظمى الذي يقوم بخدمة الملايين والملايين كل عام ما بين حاج ومعتمر بشكل يفوق الخيال ويقترب من المستحيل، بل إن وقاحتهم فاقت كل التصورات بالدخول إلى تفاصيل لا يعرفون عنها إلا الاسم، مثل رجم الجمرات وتفويج الحجيج والرعاية الطبية لضيوف الرحمن وعبقرية تنقلهم وتوفير الطعام والشراب والخدمات المختلفة وقبل كل هذا التنظيم المذهل، لكن موسم الحج فرصة سنوية عظيمة ليثبت الشعب السعودي أنهم الكبار في زمن الأقزام الذين لا يستطيعون تنظيم مباراة لكرة السلة...!
لعلكم تذكرون أغبى اثنين منهم في موسم الحج قبل أعوام، حيث قال أحدهم بالحرف الواحد (كشفت الريح جدران الكعبة فبدت حزينة باكية لحرمانها من أحبابها) وهنا لم يشرح لنا هذا الجاهل، كيف عرف أن الكعبة المكرمة حزينة ولم يعلمنا حتى كيف تبدو علامات الحزن المفترضة، بينما علق آخر بشكل أكثر حماقة عندما اعتبر أن كسوة الكعبة مزقت وطارت، بسبب رداءة صنعها، متجاهلا أن الرياح كشفت الكعبة المكرمة بسبب فكها استعدادا لتبديل ثوبها الجديد بالقديم.
لمحة
أبشع السرقات، سرقة تاريخ الآخرين بحجة التقليد في زمن أصبح من الممكن لأي شخص أن ينسب لنفسه تاريخ محارب، حتى لو لم يطلق رصاصة بالهواء طوال عمره، فنحن في زمن الألقاب الكاذبة فيمكن للسارق أن يكون خبيرا وناشطا وحقوقيا ومناضلا وثائرا إلى آخر الألقاب والنعوت والصفات من خلال مواقع الفضاء الافتراضي السحيق.