مع انتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة والاستماع لما يقدّمه البعض من نصائح وإرشادات ومقترحات بشكل شبه يومي وفي مجالات مختلفة، أصبحت هناك تخمة وتراكم مهول في المعلومات والأفكار، ومع مرور الوقت، وكثرة التكرار سوف يتأثر البعض لا محالة سواء سلبًا أو إيجابًا.
ولكن الواقع هو كثرة الغث المقدم مقابل قلة السمين خصوصًا أن الكثير من المشاهير يبدون آراءهم في غير تخصصهم أو من غير خبرة كافية في الحياة، فيصيح ما يقدمون إما أن يكون مثاليًا جدًّا للتطبيق أو يفسد أكثر مما يصلح!
ولتتضح الصورة أكثر، لنأخذ على سبيل المثال أولئك الذين لا يملكون خبرة كافية في الحياة الزوجية، ويقدمون نصائح عن الزوج المثالي والرومانسي أو يتظاهرون أمام الكاميرات بتقديم هدايا فاخرة متعددة أو إقامة حفلات أو مفاجآت سعيدة أو التباهي بجمال الإجازات والسفرات ظنًّا منهم أن كل أحد يستطيع فعل ذلك!
وفي الغالب نحن نرى دقائق معدودة على شكل فيديو قصير، ولكن لا نعلم ولا نرى ما الذي يحدث طوال السنة، ومن خلف الجدران. أو تأتيك صورة نمطية مكررة عن الأب القدوة والحنون جدا! أو ذلك الذي لابد أن يقدم الأخضر واليابس حتى يكون (أبًا رائعًا). والبعض يأتي بقائمة طويلة من الأفعال والأقوال التي لابد أن يقوم بها ليقترب من الصورة المثالية. والحقيقة أن الأب قد يُخطئ مرة ويصيب أخرى، فضغوط الحياة النفسية والمادية والاستهلاكية مرهقة جدًّا، وهي قد لا تُعدُّ مجالًا له أن يتنفس أو أن يرتاح!
وأما على مستوى الجانب المهني، فمطلوب أيضًا من الرجل أن يقدم أفضل ما عنده في العمل، وأن يكون أنموذجًا للآخرين؛ حيث تجد كمًّا من النصائح الكثيرة في كيفية أن تصبح قائدًا في عملك أو ملهمًا للآخرين، وغيرها من الصور النمطية الأخرى.
والواقع أننا حين نتأمل الصورة كاملة بجميع الأدوار التي يقوم بها الرجل في الحياة، فهو لن يستطيع أن يؤدي كل هذه الأدوار بتميّز، بل سيكون هناك حتمًا قصور في جانب على حساب جانب آخر، وسيكون هناك تراخٍ في بعض المجالات، فالمشكلة إذًا هي تلك النظرة الحالمة التي رفعت سقف التوقعات والطموحات عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي لترسم صورة غير واقعية على الإطلاق؛ لتنشأ بعد ذلك مشكلة المقارنات بين فلان وفلان أو بين أسرة وأخرى. ومع تفاوت الحياة المادية والاجتماعية والمهنية تبدأ هذه المقارنات بنخر عمود الأسرة، وإضعاف الترابط فيما بينها، والتي كانت فيما مضى ترضى بالموجود لا بالمفقود!
وبناءً على ما أسلفنا، فالمقترح هو أولًا: التوقف عن المقارنات بشكل مباشر أو غير مباشر، ثانيًا: عدم تصديق كل من هبّ ودبّ على وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث صار الكثير يتحدث من كيسه! ثالثا: الحياة ليست أسود وأبيض، فهناك الكثير والكثير من المناطق الرمادية، والأحوال المتقلبة، والظروف الصعبة.
أضف إلى ذلك، لن يستطيع أحد مهما كان أن يكون زوجًا مثاليًّا، وأبًا قدوة، وموظفًا ملهمًا، إلا فيما ندر (والشاذ عن القاعدة لا حكم له كما يقال) فالمسألة برمتها في كل الأدوار المختلفة التي يقوم بها الرجل هي قائمة على قضية (سددوا وقاربوا) وليس هناك أي خطأ في أن تكون زوجًا عاديًا، وأبًا تقليديًّا وموظفًا مؤديًا، بل هذا هو ربما النمط السائد والواقعي.
إن رفع سقف التوقعات والمثالية الزائفة من خلف الشاشات يضر بالحياة الأسرية والاجتماعية أكثر مما ينفع!
@abdullaghannam