كتبت من قبل عن جبل اللوز بأنه ليس بجبل موسى، مستشهدا بكتاب العهد القديم، وأحب أن أضيف أن ما يقال عن الجبل في وسائل التواصل الاجتماعي من كونه الجبل المقصود، ما هو إلا مجرد إرهاصات غير مبنية على ثوابت من العهد القديم، ولا حتى من علماء الإسرائيليات أنفسهم. ولكي نستوعب خطأ هؤلاء يجب أن نبدأ بالأحداث التي انتهت بتواجد موسى -عليه السلام- بموقع تلك البئر من أرض مدين، وتبدأ قصة موسى -عليه السلام- بالقرآن الكريم بأن وضعته أمه باليم، وقد قال الله سبحانه وتعالي في كتابه العزيز من صورة القصص (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ.) واليم هو البحر في معاجم اللغة العربية، وليس هو من النهر من حيث الحجم فهو أصغر منه. مما يعطي دلالة أن المقصود به الترع أو الفروع الصغيرة وليس هو بنهر النيل العظيم. ذاك الاستعمال اللغوي يعطي دلالة أن الأحداث كانت بدلتا مصر، فوجود اليم مقصور عليها من حيث تواجد فروع نهر النيل. وبالفعل فإن أحد عواصم مصر القديمة مدينة «بر رعميس» وهي تقع بالقرب من القناطر الحالية في الفترة ما بين 1279 و1213 قبل الميلاد زمن السلالة الحاكمة لمصر فترة رمسيس الثاني وابنه، والتي دوما ما يذكر أنها فترة نبي الله موسى عليه السلام. ومن الإعجاز اللغوي بالقرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى أعطى إشارة غير مباشرة لها وحدد منطقتها بكلمة اليم، فأغلب العواصم القديمة لمصر جاءت في جنوبها، وقصة موسى عليه السلام ورحلته لمصر تبدأ بعد أن عثر عليه في اليم، ثم احتضن ليتربى في القصور. وتأتي القصة أنه بعد ما شب ارتكب جريمة تستوجب القصاص حسب شريعتهم. فبينما كان موسى عليه السلام يتجول بالأسواق وقف على مشاجرة، قتل بالخطأ أحد المتشاجرين. ولكي نختصر القصة، فذهب الجند يبحثون عنه واختبأ كي لا يقبض عليه، إلى حين قرر الذهاب إلى منطقة بعيدة ليست تابعة لسلطة مصر يجد فيها ملاذا آمنا. في ذاك الزمن فلسطين ولبنان تابعة لمصر بعد معاركهم مع الحيثيين القادمين من بلاد الأناضول. وجد موسى له طريقا إلى أرض مدين البعيدة عن حكم الفراعنة جنوب صحراء النقب. وطريق القوافل القديم يأتي بمحاذاة البحر المتوسط، ثم ينطلق جنوبا نحو العقبة. ومن العقبة تجد القوافل لها طريقا عبر أودية الجبال، لتستقر في منطقة فسيحة على مسافة قريبة من خليج العقبة. في هذه المنطقة بئر عرفت ببئر مدين، والتي جرت فيها قصة أخرى لموسى عليه السلام مع بنات النبي شعيب عليه السلام، فهذه المنطقة من مدين هي بجنوب جبل اللوز، وبعيدة عنه وأقرب ما يكون إليها مدينة نيوم الحالية. كما لم تشر المصادر التاريخية إلى وجود مسار لقوافل الجمال تمر عبر جبل اللوز، من الارتفاع ومن صعوبة المنطقة كحجرية. كما أن من التأكيد من عدم صحة ما يروى عن الجبل بكونه جبل موسى، أن ما عثر عليه من نقوش لعجل هو ليس بالجبل، إنما في الطريق المؤدي للجبل، وهو من أنماط النقوش الصخرية المنتشرة وبكثرة مثيلاتها في الجزيرة العربية، والتي على الدوام ما نشاهد فيها حروفا ثمودية. بالإضافة إلى أن الدين اليهودي يحرم الرسوم، فما بالك برسم العجل وكان أولى أن تطمس بعد عبادتهم العجل وحتى جدلا إن فعلوها، وكذلك أن تلك المنطقة من الجبل ليست مكانا للرعي، فليس بها مناطق فسيحة لنمو الأعشاب. كما أيضا أن تلك الصخرة المزعومة بخروج الماء منها، الله سبحانه وتعالى نفاها بالقول عنها إنها عيون ماء، وليست فلجا أو نبعا من خلال صخر، وفي نهاية مقالي هذا أحب أن أؤكد كما في بداية المقال، أنه ليس هناك أية إشارة أو دلالة تاريخية، أو حتى من كتاب العهد القديم أن العبريين مروا أو وقفوا عليه. كذلك أختتم مقالي بالقول، إن ما يشاهد الآن من اهتمام بجبل اللوز من هواة غربيين ليسوا من المتخصصين، والأمر لا يخرج عن كونه تخيلات وإرهاصات غير مستندة علميا على حقائق، انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي للشهرة والكسب المادي.