على خلفية تقرير لصندوق النقد نشر قبل عامين، يتوقع للهند أن تكون ثالث أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2027 _تحتل المرتبة الخامسة حاليا_ يبني رئيس الوزراء الهندي رؤاه لتحويل التنبؤ إلى حقيقة، وعليه نشرت عدة صحف أجنبية تقارير ومقالات على هيئة أسئلة عن مدى حقيقة هذه التوقعات، في أحدها تساءل الكاتب: «هل تستطيع الهند أن تكون ثالث أقوى اقتصاد في العالم»؟.
وتقرير آخر نشر في نيويورك تايمز تساءل في عنوانه الكاتب: هل تستطيع الهند أن تغير العالم؟ ومدى جديتها وبراعتها في ذلك؟ ومن خلال تجربته قدّر الصحفي الأمريكي نيكولاس كريستوف الذي يجري تحقيقه من نيودلهي، أن الاقتصاد الهندي يحتاج إلى ثلاث مقومات للوصول إلى تلك المرتبة المتقدمة وهي «تحسين التعليم، وتعزيز النساء في القوى العاملة، وتحسين مناخ الأعمال لزيادة التصنيع».
والسؤال هنا، ما الذي يمنع الهند بكل ما تملك من مقومات من أن تكون أحد أقوى الاقتصادات، ليست الواعدة بل الصناعية الكبرى وتقود العالم؟، فعليا ولنكن على بينة من بعض الأمور، فإن الهنود «كقوى عاملة» وبلا جدل من ذلك هم من شاركونا وإلى اليوم في بناء نهضتنا وعمراننا وصناعتنا وتنمية اقتصادنا وتنشيط أسواقنا، ليس فقط في بلداننا الخليجية وحسب، بل هم اليوم مؤثرون في أكبر دول صنع القرار والاقتصاد والتجارة، إنهم لم يكتفوا بأن يكونوا عمالة وافدة تبني وتعمر وتقود المعاملات المالية والتجارية، بل صنّاع سياسة في بعض البلدان. اليوم يتربع الهنود على رأس مجالس الشعب في الكثير من الدول، ليطالبوا بحقوق المواطنين كونهم مواطنين، وبعضهم على رأس الوزراء والسياسيين والاقتصاديين البارزين كهنود أصليين يحملون جنسيات أخرى، لدينا العديد من الهنود في بلداننا الخليجية كمثال، إنهم يختارون أقوى وأغنى الدول ليس لأنهم يرغبون بذلك، ولكن يهاجر إليها آباؤهم للعمل ويتبعهم الأبناء ليرثوا المواطنة، أو يستقروا مع عوائلهم. وقس على ذلك أن الهند وهي شبه قارة وثاني أكبر دولة في العالم لديها عقول ليست بالهينة، وقوى بشرية قادت اقتصادات كالصين إلى مصاف التنافسية العالمية، فعلى الرغم من امتلاك الصين أيدي عاملة كبيرة ولكنها أسست مصانعها ومواردها في الهند بالاعتماد على العمالة الهندية.
كانت ولا تزال الهند مطمعا لكل قوى دولية وعالمية منذ التاريخ، فهذا البلد غني بكل ما يملك من ثروات طبيعية وتاريخية وأيدولوجية وحضارية ودينية وبشرية وفكرية، لا شيء على الإطلاق يمنع الهند أن تكون قوة اقتصادية بل قوة في العالم سوى أنها «الهند».
الهنود أكثر البشر الذين يتعايشون في الفوضى والضوضاء بكل براعة، لا يستطيعون أن يكونوا نظاميين إلا إذا تمت قيادتهم ليس من بني جلدتهم، لذا عرف سرهم الإنجليز واستعمروهم ولا يزالون يحملون العقدة الإنجليزية. إنهم شعوب طيعة وموالية فطرياً، ويمكن قيادتهم ولكن لا يمكنهم فعل ذلك بأنفسهم، إنهم بارعون جدا ومبتكرون وشغوفون وعقليات ليس لها نظير، ولكنهم عاجزون عن القيادة بفعل تربيتهم وفكرهم وأديانهم، فلا يمكن أن يكونوا نظاميين.
@hana_maki00