عبر كل الأزمان وما أن يأتي اختراع جديد أو تقنية جديدة إلا ويكون غالبا هناك نوعان من الناس، إما مؤيدا له وبقوة ويركب موجة التجديد أو مقاوما بشدة، وكأن المسألة تمس المبادئ الأساسية للحياة، دكتور في الجامعة ذكر لي مرة أنه مع حقبة قدوم جهاز الكمبيوتر مع بداية التسعينيات الميلادية كانت هناك مقاومة شديدة من أصحاب العمل الورقي الذين بدأوا يكيلون لهذا الاختراع كل التهم الحقيقية وغيرها، فإنه لا يجيد مثلا لغة التواصل، والبيانات معرضة به للتلف وأنه يحتل مساحة كبيرة من المكتب، بينما المؤيدون يرونه نقلة وسرعة في العمل وتقليلا من الورق وضياع المعاملات وسهولة الوصول إليها. واستمر ذلك الصراع حتى تغير العالم كله نحو التقنية، يكمل حديثه حول جهاز (النداء) البيجر وكان من يقاومونه يقولون، إذا دقَّ عليك أحد وما عندك تليفون فلا قيمة له، ثم مع عصر الجوال قالوا إنه يربطك بالالتزامات طوال الوقت، فلا مجال للراحة والخروج منها، واستمرت الحكاية هكذا وبالذات مع مقاومي التغيير ومحبي النمط الثابت. يقول صديق لي إن والده لا يرضى أن يغير شركة الصيانة التي يتعامل معها في المنزل ورغم أخطائهم وقصورهم إلا أنه يقاوم تغييرها. هذا الموضوع ليس عندنا فقط بل على مستوى العالم هناك مقاومون للتغيير، وكأن العالم لا يجب أن يتطور، بل إنهم لا يدركون أنهم جزء من هذا التطور ومستفيدون منه، فهو يسرع حياتهم ويختصر وقتهم ويسهل كل أمورهم، مع بداية عصر الذكاء الاصطناعي GPT الذي اختصر وقتا وجهدا لساعات وأيام خلال دقائق، بل يقوم بما يقوم به فريق مكون من عشرة أشخاص خلال ثوان ودقائق سريعة، ككتابة البحوث والتصميم والمونتاج وغيرها الكثير الكثير، بل والذي كما يقال إنه لا يمثل نصفا بالمائة مما سيأتي في قادم الأيام، شاهدت عبارة من مقاوميه وضعت على بناية غير مكتملة مكتوب عليها (مرحبا GPT هل تستطيع إكمال بناء هذا المبنى؟)، هل مطلوب من التقنية أن تبتكر شيئا واحدا لكل مجالات جميعا وفي آن واحد، ماذا لو نعيش بلا سيارات ولا إنترنت التي اختصرت علينا النقل والبيانات وسهولة المعاملات من أي وقت ومن أي مكان، ماذا لو أردنا تحويل الأموال والوقوف في طوابير البنوك الطويلة لسداد الفواتير ودفع الرسوم، ماذا عن محبي الأكل وطلبات المطاعم عن طريق التطبيقات والتسوق الإلكتروني، وأنت تشاهد مئات المنتجات من شاشة واحدة بأحجام وتفاصيل وألوان، بدلًا من أن تلفلف بسيارتك أياما على من يبيعها؟ الحياة تتطور ومن لا يتطور ستذهب الحياة وتتركه خلفها.
وحتى ألقاكم الأسبوع المقبل بإذن الله أودعكم قائلا (النيات الطيبة لا تخسر أبدا)، في أمان الله.
@Majid_alsuhaimi