في مكان ما على كوكب الأرض الذي خلقه الله مآلا للبشر إلي حين، وقفت أمام مجموعة من الجبال الشاهقات متقاربة بألوان متفاوتات، جبل أسود اللون ذو تعرقات بيضاء بجانبه جبل تداخلت ألوانه ما بين البني والنحاسي، وبرز الأحمر والبرتقالي الفاقع والباهتة درجاته، وثالث كان خليطا من بريق تارة ظننته فضيا ونثرت عليه بشارة من لون ذهبي، وتارة ظننته العكس ولكن الأكيد أن اللون الأزرق الفيروزي بدرجاته والأخضر المطفي بتدرجاته برز متآخيا بوفاق بين ذاك اللبس، ورغم اختلاف ألوان الجبال المتقاربة حد التداخل اتفقت جميعا على لبس عمائم بيضاء على قممها، مصنوعة من جليد لم يضر نصاعها انعكاس شيء من صفرة شمس السماء الباردة عليها، تأملت هذه الأوتاد التي خلقت كي لا تميد بنا من أقف عليها وسبحت الله.
تلك الصورة الجمالية لم تكتف بما بسطته عاموديا أمام نظري، بل ورسمت لوحات من إبداع تناثرت أفقيا حولي، تداخلت فيها كسر من الصخور بأحجام متفاوتة، فكان ما تفرق أمامي اختلط بجمال تحتي.
سرت خطوات مبتعدة عن تلك الرواسي الشامخات وكلما ابتعدت كثر تمازج الألوان، ولسبب ما ربط ذهني بين تنوع الصخور بأحجامها وألوانها بالبشر بتنوع خصالهم، فكانت هناك صخرة قشرتها الخارجية قليلة السماكة بيضاء صلبة، أخفت خلفها سوادا حالكا سميتها المنافقة، وكان هناك صخرة عجيبة قاعها المستند على الأرض مقسم بين البرتقالي والأحمر والبني بأقسام متساوية، وتسابقت تلك الألوان كلما اتجهت للأعلى، وهيمن البني على هامتها فسميتها التنافسية، وكانت هناك صخرة ذات انعكاس ذهبي براق عندما حملتها انطفأ بريقها، فذكرتني بالبشر الذين إن وضعتهم في غير موضعهم انطفؤوا، وهكذا كلما سرت خطوات ولفتت نظري صخرة أطلقت عليها صفة من صفات البشر ومسميات، وكانت أعجب صخرة رأيتها تلك الخضراء العظيمة المقعرة التي احتضنت كما هائلا من الصخور فسميتها «حضن الأم» والأم هي الأرض وهي من ولدت وهي الوطن وهي الجسد وبداخله الروح والعقل والقلب.
كنت أنظر للأرض وأتوقف وأستأنف المسير، وحولي بشر قليل منتشر على بساط الأحجار الجميل، فكنت كأني في مسرح عظيم فرش بسجاد من حرير، كلما نظرت له من زاوية اختلفت ألوانه، وإن توقفت وناب عنك انعكاس الضوء المسير أحدث ذات التأثير.
في خضم ذاك السحر الخلاب لمعت صخرة تساءلت: أهي فضة؟ سرت خطوات وبسطت كفي ووضعتها فكان وهجها جميلا، حفظتها في حقيبتي فهي تذكار بديع وحدثت نفسي معاتبة: يا الله كم كنت أفسر المثل الشعبي
«إلي تعجبه صخرة يشيلها» تفسيرا عقيما، فبعض الصخور كنوز وبعضها ثروة والبعض تذكار أنيق.
*قالب
قوالب البشر أسرار لا يعلمها إلا الله.