ميل الناس إلى متابعة «السذاجة» وحبهم للتهريج والسطحية ليس أمرًا جديداً، هو موجود منذ القدم، لكنه في عصرنا ازداد وطغى بسبب السيل الجارف من «التقنية» وأدواتها.
هنا موقف جميل للأديب عباس محمود العقاد - رحمه الله -، فقد سأله صحفي: من منكما أكثر شهرة، أنت أم «ﺷﻜﻮﻛﻮ»؟!
(شكوكو شخص هزلي شهير يرتدي ثياب المهرجين لإضحاك الناس)، فردّ عليه العقاد باﺳﺘﻐﺮﺍﺏ: من «ﺷﻜﻮﻛﻮ» هذا؟!
وعندما وصل خبر هذا الحوار الصحفي ﻟـ «شكوكو» قال للصحفي: «قل لصاحبك العقاد ينزل ميدان التحرير، ويقف على أحد الأرصفة، وسأقف أنا على الرصيف المقابل، ﻭﻧﺸﻮﻑ الناس (هتتجمع) ﻋﻠﻰ ﻣﻴﻦ.»؟!
ورد العقاد عليه بقوله: «قولوا ﻟﺸﻜﻮﻛﻮ ينزل ميدان التحرير ﻭﻳﻘﻒ على رصيف ﻭﻳﺨﻠﻲ «ﺭﻗّﺎﺻﺔ» تقف على الرصيف المقابل ﻭﻳﺸﻮﻑ الناس (هتتجمع) على مين أكثر!».
* عبارة العقاد الأخيرة رغم قسوتها إلا أنها تلخص واقعًا مريرًا عاشه هو ونعيشه اليوم.. خلاصته: كلما ابتذل الإنسان نفسه وهبط بأخلاقه ازدادت شهرته وتوسعت جماهيريته.
والذي ألمح إليه العقاد ينطبق حتى على إعلام التواصل الاجتماعي، ففي هذا الإعلام كلما كانت المواضيع تافهة؛ كان عليها إقبال أكثر وتفاعل أكثر.
* الكاتب الكندي آلان دونو في كتابه الشهير: نظام التفاهة يقول:
«إن التافهين قد حسموا المعركة لصالحهم في هذه الأيام، لقد تغير الزمن زمن الحق والقيم، ذلك أن التافهين أمسكوا بكل شيء، بكل تفاهتهم وفسادهم، فعند غياب القيم والمبادئ الراقية يطفو الفساد المبرمج ذوقاً وأخلاقاً وقيَماً.. إنه زمن الصعاليك الهابط.. وكلما تعمق الإنسان في الإسفاف والابتذال والهبوط؛ ازداد جماهيرية.. إن مواقع التواصل الاجتماعي نجحت في ترميز التافهين، حيث صار بإمكان أي جميلة بلهاء، أو وسيم فارغ أن يفرضوا أنفسهم على المشاهدين عبر عدة منصات تلفزيونية عامة، هي أغلبها منصات هلامية وغير منتجة، لا تخرج لنا بأي منتج قيمي صالح...».
* الخوف على الأجيال الناشئة اليوم.. ما الفكر والثقافة التي يتربون عليها، والأجيال القادمة ما الذي سيرثونه منا ثقافيًا في زمن علت فيه التفاهة وتضاءلت فيه القيم وتوارت فيه الفضيلة.
نحن بحاجة إلى وقفة حقيقية للنظر في طوام «التفاهة»، والوقوف على أضرارها وآثارها.
* قفلة..
قال أبو البندري غفر الله له:
أحيانًا أمام طغيان هذا العالم وما فيه:
لا تحزن لغلبة (الشر)؛ لأن الخير والصلاح على مستوى العالم يوجد في (القلة) وليس بالضرورة في الكثرة.. ففي القليل تجد الصالحين، والمجددين والعلماء والنوابغ.. (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث).
ولكم تحياتي،،،