في الأسبوع الماضي تصدر موضوع المنافسة بين منصة «تويتر» ومنصة «ثردز»، التي تملكها شركة «ميتا»، ساحات منصات التواصل الاجتماعي، واشتعل الموضوع بعد أن تناقلت وسائل الإعلام تصريح شركة تويتر بأن المنافس سرق أسراره والملكية الفكرية، وبسبب ذلك سيتم مقاضاتهم بعد إرسال إخطار رسمي لشركة «ميتا».
مبدئيا، المنافسة وحماية الأسرار بين أصحاب العمل والعمالة سيتصدران المشهد عالميا، خاصة بعد تطور الاستثمارات المبنية على البيانات، وهذه الحادثة سنراها تتكرر بشكل كبير ومخيف في المملكة، في ظل عدم وجود أي تحرك واضح في تطبيق المادة ٨٣ من نظام العمل السعودي، والتي للأسف لا يتم تطبيقها بالشكل الصحيح مما أضر ذلك في قطاع الأعمال خاصة بعد تطبيق مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية.
أسرار العمل وبيانات العملاء يجب ألا تتعدى محيط العمل حماية لمصالح صاحب العمل المشروعة، والمادة ٨٣ من نظام العمل تنص على أنه إذا كان العمل المنوط بالعامل يسمح له بمعرفة عملاء صاحب العمل، أو الاطلاع على أسرار عمله، جاز لصاحب العمل أن يشترط على العامل ألا يقوم بعد انتهاء العقد بمنافسته أو إفشاء أسراره، ولصحة تطبيق هذا الشرط أن يكون محررا ومحددا من حيث المكان والزمان ونوع العمل، وبالقدر الضروري لحماية مصالح صاحب العمل المشروعة، وفي كل الأحوال يجب ألا تزيد مدة هذا الاتفاق على سنتين من تاريخ انتهاء العلاقة بين الطرفين فيما يخص منافسة العامل لصاحب العمل.
أتى نص النظام بلفظ المنافسة في المادة ٨٣ بشكل مطلق فيندرج فيها المنافسة المباشرة أو غير المباشرة «العمل لدى الغير» ولكون الأصل أن «المطلق يجري على إطلاقه» فلا يجوز تقييده إلا بدليل، وكثير من المهن لا تمكن العامل الوافد من منافسة صاحب العمل بشكل مباشر، وإنما يجب عليه أن يعمل لدى الغير من المنافسين، وذلك أن نظام الاستثمار لا يسمح لغير السعودي من الاستثمار في أي نشاط، ولذلك الأمر واضح ولا يحتاج لاجتهادات متفاوتة.
وزارة الموارد البشرية عملت على عدة إصلاحات جذرية في سوق العمل، ومن أهمها تطبيق مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية، والتي من خلالها أوضحت الوزارة إمكانية تفعيل وتطبيق المادة ٨٣ من نظام العمل حتى لا يكون هناك ضرر على أصحاب المنشآت، وحتى لا يكون هناك أي خلل قد يسيئ لسمعة سوق العمل السعودي بعد إيقاف العمل بقرار مجلس الوزراء رقم ٨٢٦.
طالبت في أكثر من مقال بأهمية وجود تدخل عاجل لحفظ حقوق أصحاب العمل حول مبدأي المنافسة وحماية الأسرار، وتوضيح الفرق بين نظام العمل ونظام الاستثمار ومفهوم المنافسة، لأن بالواقع هناك تفاوت في قرارات الأحكام التي تصدرها المحاكم العمالية حول هذه المادة، وهذا التفاوت يضر بسمعة سوق العمل السعودي ولا يحمي أصحاب العمل، ويجعل العمالة الوافدة تتلاعب في أصحاب الأعمال كما تشاء، وبسبب هذا التفاوت نجد توجها لأغلب المنشآت لنقل أقسام عديدة من إداراتها لخارج المملكة، وهذا الأمر يعاكس الترقيات والإصلاحات الإيجابية التي تعمل عليها وزارة الموارد البشرية لتطوير سوق العمل.
أرى ضرورة عاجلة لتشكيل لجنة مشتركة بين وزارة الموارد البشرية ووزارتي الاستثمار والعدل بالإضافة لممثلين من مجلس الغرف السعودية لتفسير المادة ٨٣ من نظام العمل فيما يتعلق بمفهوم المنافسة وحماية الأسرار، وتوضيح الفرق بينها وبين أنظمة ولوائح الاستثمار، لتفادي فوضى انتقالات الموظفين في سوق العمل، ولحماية القطاع الخاص الذي تضرر من وراء الاجتهادات في تفسير المادة بعد إصدار أحكام متفاوتة في قضايا متشابهة، لتتولى اللجنة توضيح الأهداف من تطبيق المادة للمحاكم العمالية، حتى لا نصل لمرحلة تتسرب فيها مجموعة كبيرة من الوظائف لخارج المملكة، وتكثر فيها الخلافات العمالية.
ختاما.. نحن في عصر يعتمد على البيانات، والنظام أعطى الحق لصاحب العمل في اشتراط عدم المنافسة وإفشاء الأسرار في عقد العمل أو تركه، فهل سنرى إنصافا للمتضررين من ذلك، خاصة بعد تطبيق التكاليف القضائية؟.