في عالم الصحافة يعتبر الترحال واحدة من أهم الأدوات التي يستخدمها الصحفيون لاستكشاف العالم ونقل الأخبار والقصص الجديدة، في بداياتي كنت أميل لرصد الغرائب والعجائب من حولي انطلاقًا من العادات والتقاليد الغريبة مرورًا باختلاف الطبيعة وتنوعها، وصولًا إلى الغموض الذي يلف بعض المناطق، وعلى مدار ثلاثة عقود في مهنة المتاعب زرت 69 دولة وأتمنى أن تكون كوريا الشمالية الدولة رقم 70، وقد تعزز هذا العشق المهني عندما عشت بالمغرب العربي لمدة خمس سنوات حافلة باكتشاف الكثير من الأماكن البكر، وعرضها بطريقة التحقيقات الصحفية المصورة بأسلوب المكتشف الشغوف، الجزائر وليبيا وتونس والمغرب وموريتانيا، خمس ثقافات للبحر والجبل والصحراء تكونت نتيجة امتزاج عدة ثقافات عربية وأفريقية وغربية، وكنت أردد دوما هل اكتشف الإنسان كوكب الأرض كاملا..؟ بل هل اكتشف العرب كامل حدودهم القومية، انطلاقًا من دولة الأحواز المحتلة، حتى جزيرتي سبتة ومليلة المحتلتين ...!! السؤال ولد أول مرة عندما خضت تجربة استغوار في مغارة الريح (فريواطو) في المغرب، المغارة كانت مكتشفة جزئيا منذ عقود وقد وثقت رحلتنا أجزاء جديدة غير مكتشفة، وكنت قبل الانقلاب الحوثي في اليمن أعد العدة لإنتاج فيلم وثائقي عن جمهورية فانواتو، وهي دولة جزرية تقع في جنوب المحيط الهادئ، وهي عبارة عن أرخبيل من أصل بركاني، وكذلك كنت أستعد لخوض تجربة زيارة الأجزاء المكتشفة من غابات الأمازون التي تعتبر من الأماكن التي لم يكتشفها الإنسان بشكل كامل، لحد الآن نظرا لمساحتها الكبيرة ووجود قبائل بدائية ترفض الاندماج والتواصل، ربما لان المكتشفين الأوائل لم ينجحوا في إرسال رسائل اطمئنان لهم، فنشأت حالة من العداوة المتوارثة، كما أنني وضعت زيارة دولة ناميبيا التي تقع جنوب غرب قارة أفريقيا على جدول أعمالي، وتعتبر واحدة من أقل الدول سكانا في العالم، وتتمتع بمساحة كبيرة وهي واحدة من الأماكن الأقل استكشافاً في العالم، تربيتي البدوية أكسبتني حاجزًا نفسيًا تجاه المناطق المتجمدة، وهي مناطق لم يكتشف أغلبها مثل الغطاء الجليدي في جرين لاند، التي يغطي الجليد 80٪ من مساحتها، ومغارة النجوم التي تقع في منطقة نائية بنيوزيلندا، هذه المغارة الساحرة التي تضم تشكيلات صخرية خلابة، وأسقف تتلألأ بملايين النجوم الصغيرة، وكذلك القارة القطبية الجنوبية والمعروفة أيضًا باسم أنتاركتيكا، وهي قارة تقع في أقصى جنوب الكرة الأرضية، وهي عبارة عن مساحة ضخمة من الجليد وكذلك سيبيريا، وهي الجزء الشرقي والشمال الشرقي من روسيا وهي واحدة من أصعب الأماكن التي تسودها الظروف المناخية القاسية وحولها تثار أسئلة وأسئلة، وعن الجزر العشق القديم المتجدد الذي انطلق منذ زيارتي الأولى إلى جزيرة كوريبي في تايلند والجزر المحيطة بها، ثم جزيرة زنجبار جوهرة العرب المفقودة وأندلس أفريقيا وجزيرة كابري الساحرة في إيطاليا والمالديف وجزر إسبانيا الخلابة، وكنت أخطط لزيارة جزيرة أرخبيل تريستان دا كونا، وهي مجموعة من الجزر البعيدة في جنوب المحيط الأطلسي وهي من الجزر الأكثر عزلة في العالم، وكذلك كنت أخطط لزيارة جزيرة سانت كيتس ونيفيس وجزر سليمان...أما أفريقيا فهي عالم غامض متناقض، تسيطر عليها الأساطير والخرافات. وآخر رحلة قمت بها إلى دولة جنوب السودان التي تشكلها ثقافات غريبة وقبائل بدائية، البعض منهم يرفض ارتداء أي شيء، والبعض الآخر يتعالج من كل الأمراض ببول البقر، والكثير من العادات الغريبة التي كنت أعتقد أنها محصورة في تنزانيا وقبائل المساي. كوكب الأرض لحد الآن لم يكتشف كليا، ورغم أن المسلمين والعرب لديهم إرث عظيم من أدب الرحلات والسفر، وهناك أسماء خالدة انطلاقا من ابن بطوطة الرحالة الأشهر، بالإضافة إلى الإدريسي وأحمد بن ماجد وابن جبير الأندلسي، وأحمد بن فضلان والحسن بن الوزان وأبو القاسم بن حوقل وأبو الحسن المسعودي وحسن المراكشي ومحمد المقدسي، وغيرهم إلا أن العصر الحديث شهد انحسارا للرحالة العرب إلا من محاولات استكشافية هنا وهناك بجهود فردية، الأرض رغم كل ما قيل عنها لا تزال غامضة ومليئة بالأسرار، شخصيا أجزم بأن السفر والترحال من أعظم مدارس المعرفة ...