ربما يتذكر الكثيرون من طلبة السنوات الماضية ممن هم في مثل عمري وأقل وأكثر عنوان هذا المقال، الذي كان يطرح على اعتباره أول موضوع في مادة التعبير، يطلب منا المعلمون كتابته بعد انتهاء عطلة المدارس الصيفية ومع بداية العام الدراسي كل عام تقريباً، وإلى جانب التدريب على مهارات التعبير والكتابة كان اختيار هذا العنوان من قبل المعلمين، يهدف إلى لفت انتباه الطلاب إلى أهمية استثمار الوقت فيما ينفعهم، ويمكنهم من الترويح عن أنفسهم بعد عام كامل من الدراسة والتزاماتها وواجباتها. ولأن الناس في ذلك الوقت لم يكونوا مشغولين بأجهزة الهواتف الذكية كما هو حالهم اليوم، تلك الأجهزة التي لا تترك وقتاً عند الكثيرين لأي نشاط آخر غير الانشغال بها، فقد كانت أكثر الإجابات تتحدث عن الرحلات والسفر وزيارة الأهل والأقارب في المدن الأخرى أو في بلاد أخرى عند البعض وإن كان قليلاً، وقد كانت أكثر إجابات الطلاب متشابهة جداً، حيث إن الجميع يتحدث عن قضاء العطلة بنفس الأسلوب إلى جانب من كان يقول إنه كان يساعد والده في بعض الأعمال، سواء في المزرعة أو الدكان أو في تأمين حاجات المنزل، أو في تربية المواشي وغيرها.. لا أدري إذا كان المعلمون هذه الأيام مازالوا يعيدون نفس السؤال على الطلبة في بداية العام، ولو فعل بعض المعلمين ذلك أسأل: يا ترى ماذا ستكون إجابات الطلاب؟ هل ستكون مشابهة لإجابة من سبقهم على نفس السؤال؟ هل سيقول الطلاب إنهم استمتعوا بزيارات مدن أخرى، وبلقاء أقاربهم وأصدقائهم؟ وهل مازالت هذه الزيارات محل اهتمامهم؟ فمن ملاحظاتي أعتقد أن السؤال سيكون محّيراً خاصة عند هؤلاء الذين لا يتركون الهاتف الذكي لا في العطلة ولا غيرها حتى إنه أخذ أوقاتهم، بل أخذهم بعيداً عن كثير من الواجبات ليست الدراسية فقط، بل الاجتماعية والإنسانية أيضاً، حتى إن كثيراً من الأبناء لا يبدون حماساً لمرافقة أهليهم في الزيارات والمناسبات، وهو سلوك مخالف تماماً لما كان عليه آباؤهم وأمهاتهم في زيارة الأهل والجيران وفي الرحلات الخارجية -إن وجدت-، والسبب هو هذا الجهاز الذكي الذي استطاع بذكائه أن يسحرنا، وأن يكون الذكي هو فقط، بل ويستخدم ذكاءه في جعل الكثيرين شيبة وشباباً رجالاً ونساءً يتعلقون به إلى درجة الإدمان، فهو يأخذ منا الكثير من أوقاتنا واهتمامنا، وليته بعد ذلك يعطينا بعضاً من ذكائه عندها سوف ندرك أنه لا بد من وضع حد لهيمنته علينا، وأننا يجب أن نجعل لغيره من الأنشطة النافعة نصيباً من أوقاتنا للدراسة - للقراءة - للترويح عن النفس - للاجتماع بالأهل والحديث معهم ولزيارة الأصدقاء والأقارب والجيران.. لم تكن هذه الأمور سابقاً بحاجة إلى أن يكون الإنسان ذكياً حتى يدرك أهميتها، لكن الهاتف الذكي الذي هيمن على ذكائنا جعلنا نحتاج إلى شيء يحد من ذكائه وإلى قليل من مقاومة هيمنته حتى ندركها من أجل أبنائنا أولاً، ثم من أجل أنفسنا وصحتنا وحتى عقولنا فهل نحن فاعلون؟؟.