التوطين في معناه يحمل آفاقا واسعة، وبالوقت الحالي موضوع التوطين لا يعتبر «وجهة نظر»، بل يعتبر «وجهة» تعمل عليها الدولة لتحقيق «نظرة» اقتصادية محددة من خلال مسار واضح وهو «رؤية المملكة»، وفي هذا المقال سأتطرق لموضوع مهم وهو يتعلق بكيفية التقليل مما يُعرف بـ «العمالة الناقصة» في سوق العمل السعودي.
تعريف العمالة الناقصة وفقًا لمنظمة العمل الدولية، هي ظاهرة تحدث في سوق العمل حيث يجب على العمال العمل لساعات أقل مع إنتاجية أقل، بالإضافة إلى نقص المؤهلات لتجنب البطالة، وهناك نوعان من العمالة الناقصة، «العمالة الناقصة المرئية» وهي التي يعمل فيها الفرد بساعات أقل مما هو ضروري لوظيفة بدوام كامل في المجال الذي يختاره نظرًا لانخفاض ساعات العمل، ونجده يعمل في وظيفتين أو أكثر بدوام جزئي من أجل تغطية نفقاته، أما النوع الثاني وهو «العمالة الناقصة غير المرئية» وهي التي تشير إلى حالة التوظيف التي لا يستطيع فيها الفرد العثور على وظيفة في المجال الذي يختاره، وبالتالي نجد الفرد يعمل في وظيفة لا تتناسب مع تخصصه ومهاراته، ومثال على ذلك عندنا نجد فردا يحمل مؤهلا جامعيا في تخصص «التقنية» ويعمل في وظيفة تكميلية كالكاشير في محل تجاري، لأنه لم يستطع الحصول على وظيفه في مجال تخصصه.
في السنوات الثلاث السابقة، وفي ظل وجود تحديات كثيرة، مر عليها سوق العمل؛ قطعنا مراحل مميزة في مسيرة التوطين، خاصة بعد التركيز على قرارات التوطين النوعية، والتي من خلالها وصلنا لمستويات قياسية في كثير من المؤشرات الخاصة بسوق العمل، وأرى أن المرحلة القادمة «حتى نهاية ٢٠٢٥م» من المهم أن ننحرف قليلاً في بعض التوجهات الاقتصادية، منها على سبيل المثال التوجهات الخاصة بسوق العمل والتوطين، وذلك حتى نبني قاعدة وظائف تطويرية يرافقها تقليل من مؤشرات ما يُعرف اقتصادياً بـ «العمالة الناقصة»، والتي لا يتمنى أي اقتصادي أن نصل لها أو حتى توسعها في سوق العمل.
المقصد من «الانحراف في بعض التوجهات» الخاصة بسوق العمل والتوطين، هو مراجعة معدلات التوطين لبعض الأنشطة «غير المولدة لوظائف تطويرية» و«المولدة لوظائف تطويرية» في برنامج نطاقات المطور، خاصة بعد عملية دمج الأنشطة التي تمت في البرنامج، والتي أتمنى أن يعاد النظر فيها، فالأساس من هذا البرنامج هو استدامة عملية دخول المشتغلين السعوديين بمستويات تدريجية، وبما أننا اليوم نعيش في مرحلة مميزة من حيث المرونة في مراجعة وتقييم القرارات من قبل وزارة الموارد البشرية بشكل دوري، أرى أن المراجعة من المهم أن تشمل على جانبين «تخفيض ورفع» لمعدلات التوطين في الأنشطة، وهذا يعتمد على عدة مؤشرات منها على سبيل المثال «مكرر الوظائف في القطاع، جاذبية القطاع للتوظيف التطويري، معدل الأجور في القطاع، معدل الدوران الوظيفي في القطاع، مواءمة مخرجات التعليم مع مهن القطاع».
أي قرار يتم تطبيقه على سوق العمل، سنجد له إيجابيات وسلبيات، وهذا الأمر طبيعي جداً، من خلاله سنجد فرصاً عديدة لمراجعة وتطوير القرارات لتحسينها، وأي قرار يصب في مصلحة التوطين النوعي سواء كان في «مهن أو أنشطة»، فهو بمثابة مفتاح مهم لتوفير فرص وظيفية تطويرية لأبناء وبنات الوطن، ولذلك من المهم أن ندرك تلك النقاط عند تحليل أي توجهات يتم تطبيقها على سوق العمل وندعمها بشكل عام.
ختاما.. لا أحبذ السلبية، خاصة بعد تحقيق مؤشرات إيجابية في سوق العمل خلال فترة قصيرة وصعبة، ولكن من المهم مراعاة أن انتشار ما يُعرف بـ «العمالة الناقصة» له ارتباط مباشر في هدر لاستثمارات يتم ضخها في قطاع التعليم، وله سلبيات اقتصادية عديدة، وهذا الملف يعتبر مسؤولية مشتركة بين عدة وزارات ولا يقتصر فقط على وزارة الموارد البشرية.