ليس من المعقول أن يكون «ليس في البحر سمك». كما أنه ليس من المعقول ألا يكون هناك سمك. وربما أكون مبالغا بعض الشيء إلا أن ظاهرة نزول أعداد الأسماك في المنطقة هو أمر ملاحظ وواقع نعيشه كل يوم ومستمر. وما عليك إلا الذهاب إلى مراكز بيع الأسماك بالجملة لتلاحظ غزوًا من الخارج لتعويض نقص الإمداد. كما أنه ليس عليك إلا الذهاب للشاطئ لصيد الأسماك وتقارن بين ما كان والآن لتلاحظ الفرق. وكنا في الماضي نشاهد السلاحف البحرية على الشاطئ تضع بيضها. وكنا نشاهد أعداد بيض الأسماك على الشاطئ وبكميات كبيرة جدًّا. وكنا نتمتع برؤية الدقس من على الشاطئ، وهو نوع من الحيتان الصغيرة مشابه للدولفين. وكنا نخشى المشي بالبحر خشية «دعسنا» على ما نسميه «الوحر»، وهو نوع من الأسماك يدفن نفسه برمل البحر وبه شوكة مؤلمة. وكنا نتمتع بجمع الأصداف البيضاء من خلال رمال شواطئ البحر. كما كنا نتمتع أيضًا بصيد نوع محلي من القباقب، والتي كانت أشبه بغزو فضائي من كثرتها إلا أن ذلك كله اختفى. فاستمرار نقص أعداد الحياة البحرية هو واقع وحقيقة لا نستطيع إنكارها، وهو مستمر. فإن انتظرنا إلى أن تفقد كليًّا فلن تكون هناك رجعة.
وفي الغالب هناك عدد من الأسباب التي تؤدي إلى انخفاض المخزون من الأسماك في البحر، ومن أهمها التلوث والصيد الجائر، والعوامل الطبيعية. ويأتي التلوث بعدة أنماط منها تغيّر حرارة مياه البحر بأسباب العوامل الصناعية وأيضًا من أسبابها الملوثات الصناعية ومن البواخر. ولا ننسى في ذلك ما يلقيه البحارة من مخلفات ونراه دومًا على الشواطئ من علب فارغة ومواد بلاستيكية. وهناك تأثير مباشر على البيئة البحرية بأسباب زيادة الانبعاثات الكربونية والتي منها زيادة حموضة مياه البحار المؤثرة سلبًا على الشعاب المرجانية. والخليج العربي هو بحر حساس لتغيّرات الملوحة والحرارة والتلوث لكونه بحرًا ليس مفتوحًا وغير عميق، يحتاج لسنوات لتجديده وعبر مضيق للمحيط.
أما عن الصيد الجائر فهو إما زيادة أعداد المراكب فوق طاقة الحاضنات من مناطق التوليد للأسماك والروبيان. أو من تلك الشباك التي تجرف كل ما هو على سطح أرض البحر فتصحرها لتنهار البيئة البحرية من نباتات وشعاب مرجانية. والجزء الأخير من نقص المخزون السمكي له علاقة بالظواهر الطبيعية من زلازل بحرية أو من أعاصير أو ما يسمى التسونامي مؤثرة على تلك المرابي ولا نستطيع العمل حيالها من شيء. وتلجأ الكثير من الدول لعمل دراسات بيئية والتي بموجبها تخرج مجموعة التوصيات تدرس فيها الظواهر والمسببات. وتلجأ دول كثيرة لإكثار الحياة البحرية إلى عدة حلول لإعادة التوازن البيئي البحري كالشعاب المرجانية الصناعية وأيضًا المحميات البحرية وتقيد النشاط البشري بغرض الصون. ومن وضع ضوابط بشأن رمي النفايات بالبحر من قبل المراكب وأخرى.
وفي إمكاننا كمقترح عمل محمية الأولى من نوعها بالخليج العربي بالمناطق البحرية من مركز سلوى وإلى مدينة الدمام ومنع الصيد التجاري فيها. كما أيضًا من وضع ضوابط تخفف من حرارة المياه الرجيعة للبحر من تلك المنشآت لتوليد الكهرباء والمياه. ومن وضع ضوابط أكثر صرامة للتعامل مع الأخطاء الصناعية من المعامل الكيماوية والمصانع الملوثة في المناطق الصناعية التابعة للبلديات بشكل عام. كما يمكننا أيضا ومن خلال مجلس التعاون الخليجي تعميم التوجه على بقية دول الخليج.
إن الحماية والحفاظ على البيئة البحرية هو شأن مهم للأجيال والوطن. فلا نريد يوما أن يصبح الخليج العربي كما البحر الميت لا حياة فيه. بل نريده بحرا تتوازن فيه المصالح التجارية مع المصالح البيئية لدوام استمرار الانتفاع منه للأجيال، سواء كان ذلك سياحيا أو تجاريا وحتى يبقى هناك سمك.