المَثل عصارة تفكير أمة، أو هكذا تردد. وأُجريت بحوث ودراسات اجتماعية ولغوية وكلها تقترب من ذاك القول. الأمثال السائرة نماذج بيانية رفيعة المستوى، اجتمع لها متانة اللغة وتفنن الأساليب، وثراء المعنى واتساع آفاقه، فالأمثال - التي حفظتها دواوين اللغة والأدب والتاريخ، واحتشدت لها مدوّنات الأمثال - رافد من أهم روافد إثراء الكفايات اللغوية والاتصالية والثقافية لمتعلمي اللغة العربية.
حضور المَثل الشعبي في جميع الأوساط الشعبية لفت انتباه عدد غير قليل من المهتمين بالأدب الشعبي في بلادنا، وربما عبر الوطن العربي فجعلت منه موضوعًا للدراسة.
نرى في أمثالنا الشعبية في جزيرة العرب الكثير مما يشير إلى اعتماد المَثل العامي كوسيلة بلاغية حتى عند المتحدث بالفصحى، فدائمًا نرى إحلال المَثل العامّي في الأدبيات الصحفية والأعمال الدرامية كعنصر جذب لتوسعة قاعدة المتلقين، كذا درجت اللغات الأخرى التي اعتمدت المصطلح أو (الإيديوم)، كالإنجليزية التي لا تخلو تعبيراتها، حتى القانوبية منها من أمثال وتعبير مجازية لتعزيز النص.
ولا تخلو أمثالنا الشعبية المسموعة والمتداولة دون تحفظ من بعض الغرائب التي لا تفسير لها منطقيا أو عمليا.
فثمة قول، أو مصطلح دارج عندنا يقول: شعرة من جلد الخنزير فائدة. يقصد به استغلال الفرصة المتاحة للحصول على البغية، حتى لو كان المحصول متواضعًا.
درج هذا المَثل في لهجتنا المحكية رغم كون لحم الخنزير أو جزء منه محرما شرعا. كيف ورد ذاك المَثل إلى العربية، وبالذات إلى لهجتنا المحكية، ومن أين؟. قد يكون دخل علينا من بلاد لا تحرم لحم الخنزير.
بحثت في أمثال اللغة الإنجليزية، فلم أوفق في الحصول على مَثل مطابق أو قريب من المثل الشائع لدينا.
ولابد أن هذا ليس المثل الوحيد الذي مرّ على أذهان البعض.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الأمثال ليست أقوالا مستحدثة ولكنها قديمة قدم الوجود الإنساني لأن الإنسان بطبعه اجتماعي، ويمكن لهذه الأمثال أن تعبّر عن ثقافة المجتمع الذي تصدر فيه.
ولا يتوقف استخدام هذه الأمثال على طبقة اجتماعية واحدة ولكنها تتداول بين مختلف الطبقات والأعمار وبالأخص جيل الآباء والأجداد، واستطاعت أن تنتقل من جيل إلى آخر.