عندما نقول يوسف الثنيان علينا التوقف عن أي مقارنات ظالمة له بأي لاعب عربي أو حتى آسيوي، وحين لا بد من المقارنة فعلينا أن نقحمه بين ميسي و مارادونا، ومتى انحسم جدل الأفضل منهما، حينها قد نسأل عن يوسف أين يقع بينهما، أولاً أم ثانياً أم ثالثاً لاسمح الله؟
وكذلك الحديث عن محمد عبده الذي تحكمنا اللغة لمقارنته بالعرب، وحينما نقول العرب فعلينا ونحن نقيمه أن ننصف البقية، فنضعه على قمة هرم يجمعه مع العندليب وكوكب الشرق وصوت الأرض، ولولا أن المقارنة هنا مع هامات رحلت لأخبرتكم بموقع فنان العرب الحقيقي بين هؤلاء.
ولأن الحديث عن معلَمين من معالم المجد التليد لبلادي، والذي تم نقش اساميهم فيه بحروفٍ من ذهب، على صفحات لا يمكن لجاهل أومتعصب أن يحاول محو المكانة والأثر الباق لهما، في سجلات وطنٍ عظيم يعترف بنجاحات مواهبه التي ظهرت وتمددت وخلدت اساميها في تواريخ الإبداع، بمساهماتهما في صناعة نهضة حضارية كان ومازال صداها يصدح في سماء الوطن أينما وليت وجهك.
حنجرة ذهبية تبارك الله، ولايمكن أن نشبهها بصوت آخر، لذا أوافق (أبونورة) حينما قال أن خليفته هو محمد عبده، فمن الصعب الاقتراب من صوته الشجي وهو يلعب بأوتار الألحان وسيمفونياتها بترانيم وموالات وأغاني أطربت من به صمم، وقد قدم للوطن (في سلمه وحربه) مايعجز عشرة فنانين أن يقدموه لأوطانهم، ومن يشعر بمبالغة فلن أحدثه عن بدايات الجنادرية، بل سأذهب به لحرب الخليج التي بدأها مع دق طبول الحرب، حماساً جعل حتى المقعدين على كراسيهم يمتلكوا نشوة الدفاع عن الوطن، أما لحظات تحرير الكويت الحاسمة فلكم أن تستمتعوا فقط بمعنى لذة الانتصار وهو يعلنه من خلال (باركي يا كويت ولا احنا نبارك)، الجميل في هذا الفنان بأنه نادر في خامة صوته، وانتقائي في اختيار كلماته، قريب من قادته ووطنه، ومتواجد على كل مسارح الدولة المترامية الأطراف، بين شعب يعرفه صغيرهم قبل الكبير، وكهلتهم قبل الصبية.
يوسف الثنيان باختصار، هو أيقونة متعة كرة القدم العالمية، التي دفعت ضريبة أنها سبقت الزمن وثورته الإعلامية..
محمد عبده باختصار، هو أيقونة الحب التي تخبرك عن مخابئ العاشقين..
المفارقة العجيبة لهما والتي رسمت لي مقاربة بينهما تشبه توأمة الفلسفة الراقية، أن يوسف وبعيداً عن تمريراته وأهدافه وحسمه للبطولات، كان يتمرد على أوراق التكتيك، ويترك الالتزام بقيود المدربين، ويلعب بمزاجه العالي الذي كان يجبر الجماهير الحاضرة لأجل الاستمتاع بفنه أن تنتقل الشوط الثاني للجهة المقابلة التي سيراقص كرة القدم فيها، غير آبه بأقدامه التي يتم ضربها من كل مكان، بينما فنان العرب قبل أن يصعد لمسرحه أو ينزل للإعلام منه كان ومازال يتحفنا بكلامٍ عن فنه ووطنه والمجتمع وكأنك حين تسمعه تقرأ من كتب غازي القصيبي، ولعل آخرها ما قاله في نجران أو في زواج رجوة في الأردن، وتبقى تصريحاته المثيرة للجدل التي ظنها الكثير ذات علاقة بالسن، مجرد سوالف متمردة تحددها نوعية من يحاوره، وهو يعطيهم أجواءهم ببعدٍ فلسفي، وكأنه يقول للمذيع/ة أنتم الآن لا تستحقون فرصة وجودي أمامكم.
توقيعي/
بين الوفاء ولحظة انتحاره، اختلاق مشكلة، تودّع بها من كانوا في سجلات محبتك.