حرب البسوس التي استمرت نحو 40 سنة كما قيل بين التغلبيين والبكريين، وسببها أن ناقة «البسوس» (خالة جساس بن مرة) رعت في حمى الملك «كليب» وكان لـ «كليب» جمل جعل حماه حيث رعى هذا الجمل، فقتل «كليب» الناقة فتأزمت المشكلة بين «كليب» «وجساس»، فقام «جساس» وقتله ومن ثم نشبت الحرب بعد أن أقسم «الزير سالم» أن يستأصل البكريين ثأرا لأخيه «كليب».
وكان في القوم رجل اسمه «الحارث بن عباد»، من سادات العرب في الجاهلية، عرف بالشجاعة، والحكمة ورجاحة العقل.. تطلع كل فريق أن يكسب «ابن عباد» ليقاتل إلى صفه، لكن «ابن عباد» اعتزل الحرب وقال قولته المشهورة: إنها حرب لا ناقة لي فيها ولا جمل.
حاول «ابن عباد» أن يصلح بين القبيلتين ويوقف فتيل الحرب، حتى قال للزير: إن الدية عند الكرام الاعتذار...!
لكن «الزير» لم يقبل الصلح.. وثارت الحرب.. ثم دارت الأقدار وقام «الزير» بقتل «جبير» ولد «الحارث بن عباد»، وربما كان سيعتبر قتل ولده ثمنا لإيقاف الحرب، لكن «الزير» استفزه بقوله: أن قتل «جبير» مقابل: شسع نعل كليب،، وقد استشاط «ابن عباد» غضبا فعزم على أخذ ثأره حتى قال: لا أكف عن تغلب حتى تكلمني فيهم الأرض، ودخل غمار هذه الحرب ودارت الدوائر على تغلب....
مربط الفرس من هذه القصة التاريخية بغض النظر عن دقة أحداثها... قول ابن عباد عن مقتل «كليب»: الدية عند الكرام الاعتذار.. بينما لم يقبل ذلك عند مقتل ابنه وعزم على خوض الحرب التي اعتزلها.
الكلام يا سادة سهل، والتنظير أمر هين كل يستطيعه.
الكلام كل يقدر عليه إذا كان لموضوع لا يهمك ولا يعنيك..
والتنظير سهل جدا إن كنت بعيدا عن قضية ولا تعرف تفاصيلها.
من السهل أن تتحدث عن فضيلة الصبر وأنت لم تتجرع مرارة المشكلة..
من الممكن أن تبدع في الحديث عن الحلم وأهمية كتم الغضب وأنت لم تصطل بلهب المشكلة.. وفي الإمكان أن تلقي خطبة عصماء في العفو والصفح في قضية لم تهن فيها ولم تقاس ذلها. يقول نابليون بونابرت: «ما أسهل أن تتحدث عن الشجاعة، وأنت بعيد عن أرض المعركة»، ويقول المفكر الأمريكي مارك توين: «ما أسهل الحديث عن الصبر، عندما لا تكون المصيبة مصيبتك».
الكلام سهل.. الفعل هو الصعب..
الأفعال هي المحك والاختبار الحقيقي لمعدن الإنسان.
المعيار الرئيسي لصدق الإنسان أو كذبه هو تطابق أفعاله مع كلامه.
وهذا ما حصل لابن عباد ويحصل لكل من يتحدث وينظر ويقرر لأشياء لم يدخل دهاليزها ولم يقاس مراراتها ولم يعش في بيئتها.
فلا تنخدع بصدق أو نزاهة أحد، إلا بعد أن تجربه على أرض الواقع، وبعدها يظهر لك هل هذا المعدن أصيل أم معدن «مصدي» مطلي بالذهب، أو على قولهم: «من برا الله الله ومن جوه يعلم الله».
* قفلة
قال أبو البندري غفر الله له:
الكل حكيم وعاقل ومحلل وفاهم وفيلسوف عندما لا تكون القصة قصته، ولا القضية قضيته.
ولكم تحياتي،،،
@alomary2008