في هذا الكون المعقد، هل كل ما نراه هو مجرد تجسيد للمادة؟ أم هناك بُعد غامض يتجاوز الحدود الظاهرية والقدرات الإدراكية؟ ماذا عن اللا مادة؟ هل يمكن للعدم أن يكون مصدرا للوجود؟ وماذا لو كانت الأفكار والمشاعر والروح جوانب لا تتعلق بالمادة؟ هل نحن مجرد مخلوقات مادية أم أكثر من ذلك؟ هل هناك مكان للفراغ الخالي من المادة؟ هل اللا مادة هي الحقيقة الأساسية التي تنسجم مع طبيعة الوجود؟ وكيف يمكننا فهم العالم من خلال عدم وجودها؟ تمامًا كالظلام الذي يلتهم الضوء نحن نفهم الضوء من خلال الظلام!
هل يكمن في اللا مادة السر الأعمق للكون؟ قالوا لنا في المدارس يوجد في قلب كل ذرة (النواة) البروتونات الموجبة والنيوترونات الحيادية وتحتل الإلكترونات السالبة مدارات حول النواة، هذا ما درسناه جميعا، أما في حالة المادة المضادة (اللا مادة) تكون الشحنة الكهربائية معاكسة للمادة العادية، حيث تسلك الإلكترونات المضادة سلوكا مشابها للإلكترونات في كل شيء عدا أن شحنتها موجبة، أما البروتونات المضادة فهي عبارة عن بروتونات بشحنة سالبة واللا مادة مفهوم في علم الفيزياء يشير إلى المادة المكملة للمادة التقليدية، ببساطة لدينا الجسيمات الطبيعية التقليدية مثل الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات، في المقابل تتألف اللا مادة من جسيمات ذات شحنة معاكسة، وعندما يتفاعل جسم مادي مع جسم من اللا مادة فإن التفاعل يتسبب في انحلال الجسمين معًا ويتحول كل منهما إلى طاقة هائلة..!
كان عالم الفيزياء البريطاني بول ديراك أول مَن تنبأ بالمادة المضادة في 1928، وهو العالم الذي وصفه الإعلام البريطاني بأنه النظري البريطاني الأفضل بعد نيوتن، فقد دمج كلا من معادلات اينشتاين في النسبية الخاصة وميكانيك الكم؛ ليعلن أن كل جسيم موجود في الكون يمتلك صورة معاكسة مرآتية له، وبعد ذلك أضاف لهذه الفرضية عالم الفيزياء الأمريكي كارل أندرسون وصف البوزيترونات في 1932 وحصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1933، وطوال أكثر من 9 عقود من الزمن المنظور أحيطت أبحاث اللا مادة بالسرية والكتمان حتى أن البشرية لم تسمع عنها خبرا أو تشاهد صورة واقتصر الأمر على قصاصات خبرية متخمة بالمصطلحات العلمية المعقدة التي تصيب المتلقي العادي بالنفور والضجر...!
لنستوعب معًا الموضوع بعيدًا عن المصطلحات العلمية، تتميّز المادة المضادة ببعض الصفات الفيزيائية الفريدة، وواحدة من هذه الصفات هي أنها تتفاعل مع الجسيمات المعروفة في الكون عند الاصطدام معها، مما ينتج عن هذا التفاعل طاقة هائلة، يعتقد العلماء أن تكنولوجيا المادة المضادة يمكن أن تستخدم لإنتاج طاقة نظيفة بدون تدمير وبدون نفايات ضارة، وما تسرّب من أخبار عن التقدم في السيطرة الصعبة على اللا مادة شحيح ومقتضب ولا يمكن الجزم بمصداقيته في عالم تحكمه صراعات المصالح، والسعي الحثيث للسيطرة على الموارد، مثلا في عام 1995 تم تجميد ذرة أنتيهيدروجين للمرة الأولى وهناك حديث عن إنتاج اللا مادة في المختبر في المجلس الأوروبي للبحوث النووية (CERN) ومعهد الفيزياء النووية (IPNO) ولكنها كلها أخبار لا يمكن الجزم بها بشكل كامل، ختامًا هل ستصبح اللا مادة سلاحا لحروب المستقبل..؟