يحكى أن رجلا وجد أعرابيا عند بئر ماء فلاحظ الرجل أن حمل بعير الأعرابي كبير فسأله عن محتواه؟
فقال له الأعرابي:
يحتوي على مؤونة والكيس المقابل فيه رمل ليستقيم الحمل لكلتا الجهتين.
فقال الرجل:
لم لا تستغني عن كيس التراب وتنصف كيس المؤونة في الجهتين فتكون قد خففت الحمل على البعير.
فقال الأعرابي: صدقت.
ففعل ما أشار به عليه.. ثم عاد يسأله..
هل أنت شيخ قبيلة أم شيخ دين؟
فقال الرجل:
لا هذا ولا ذاك بل أنا رجل من عامة الناس.
فقال الأعرابي: قبحك الله لا هذا ولا ذاك ثم تشير علي.. ثم أعاد حمولة البعير كما كانت من قبل.
هكذا هم بعض الناس.. لا يحبون الفكرة حتى لو كانت صحيحة إلا إذا صدرت من شخص أو أشخاص معينين.. وهكذا هم بعض الناس يهتمون بمناقشة الأشخاص دون مناقشة الأفكار.. ويرفضون الفكرة لا لذاتها وإنما بسبب قائلها، ويعمدون لنقد الأشخاص والطعن فيهم بدل نقد الفكرة.
من عادة العقلاء أنهم يقبلون الحق والصح وإن صدر من غير أهله، لهذا قالت العرب: خذوا الحكمة من أفواه المجانين.. صحيح أن المجنون فاقد العقل لكنه قد ينطق بالحكمة، وفي الأثر: الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها فهو أحق بها. ومعنى هذا أن العاقل لا يجعل بينه وبين الرأي الصحيح والحق حاجزا ومانعا، بل يأخذ الحق ويقبل النصيحة ولو صدرت من الناس العاديين.
وفي الحديث أن يهوديا أتى النبي - صلى الله عيه وسلم - فقال: إنكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة. فأمر النبي الكريم صحابته إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء الله ثم شئت.. لاحظ أن معلم البشرية عليه الصلاة والسلام قبل مقولة اليهودي الذي يختلف عنا في الدين، مع أن اليهودي يعيب على المسلمين وقوعهم في الشرك الأصغر وهو وقومه واقعون في الكفر الأكبر.. هنا النبي لم ينتقد دين الرجل أو خطأه وقبل كلامه وأمر المسلمين باجتنابه.. درس عظيم في قبول الحق والصواب ولو صدر من غير أهله.
تذكرت مقولة ولا أدري من قائلها: العقول ثلاثة، عقول صغيرة تناقش الأشخاص، وعقول متوسطة تناقش الأحداث، وعقول كبيرة تناقش الأفكار.. ومما لا شك فيه أن هذه العقول الثلاثة «الصغيرة، والمتوسطة، والكبيرة» موجودة، ويمكن رصدها في مواقف كثيرة، ويبقى السؤال الأهم: من أي العقول أنت؟!
قفلة
قال أبو البندري غفر الله له:
(ما حد طلب رأيك).. قذيفة تقفل النقاش والحوار، وتسد نوافذ الحرية وأبواب الرأي والرأي الآخر.
ولكم تحياتي،،،