كنتُ يوما أسير في أحد شوارع مدننا، وكان يسير بجانبي مجموعة من الشباب، كانوا يتحادثون ويتمازحون، فقال أحدهم لآخر: يلعن..... يا شيخ! يقصد والدته.
فقلت لا إراديًّا: أعوذ بالله، كيف تقول هذا؟ كيف تلعن؟ وكيف تلعن والدة صديقك؟
المشكلة أن مَن بادر للرد عليّ ليس اللاعن، بل مَن وجَّه اللعن لأحب الناس إليه، فقال: إيش فيك يا شيخ؟ تراه يمزح، لا تشدها!
نعاني من وجود كلمات اللعن والشتم في مجتمعنا، مع أن مجتمعنا الذي يعيش بنور الإسلام وقيم العروبة الأصيلة يجب أن يكون أبعد المجتمعات عن ذلك، حتى ولو كانت الشاشات تنقل لنا بذاءات المجتمعات الأخرى والتي تسمى متقدمة، فنحن غيرهم ويجب أن نكون قدوات لهم لا نتبعهم، ففي ديننا العظيم اللعن محرم شرعًا، يقول المصطفى «صلى الله عليه وآله وسلم»: «لعن المؤمن كقتله»، ويقول «صلى الله عليه وآله وسلم»: «ليس المؤمن بالطعّان ولا اللعّان، ولا الفاحش ولا البذيء»، وحتى البهائم والجمادات في ديننا العظيم لا يجوز لعنها، لما سمع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- امرأة تلعن دابة قال: «لا تصحبنا دابة ملعونة»، بل حتى الشيطان الملعون أصلًا، الأفضل الاستعاذة منه لا لعنه، ففي الحديث يقول المصطفى «صلى الله عليه وآله وسلم»: «لا يقولَنَّ أحدُكم لعن اللهُ الشيطانَ فإنه إذا سمعها تعاظَم حتى يصيرَ كالجبلِ، وليقلْ أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ، فإنه إذا قالها تضاءلَ وتصاغر».
يجب أن نعود لقواعدنا وما تربينا عليه، فننقي ألسنتنا وبيوتنا ومجالسنا ومدارسنا، وكل مكان جميل وعلاقة سامية من الكلمات البذيئة، حتى نعيش بأمن وطمأنينة ورقي.
أختم بقصة طريفة تبيّن أن السب واللعن عند العرب يأنف منه حتى البخلاء، فقد ذكر الخطيب البغدادي في كتابه البخلاء: مر أعرابي برجل قد وضع بين يديه غداءه وهو يأكل، فقال: لو تعرضت له لعله يدعوني إلى الغداء، فقال: السلام عليكم، فقال: كلمة مقولة، ثم طأطأ رأسه يأكل، فقال له الأعرابي: أما أني مررت بأهلك، قال: عليهم كان طريقك؟ قال: وهم صالحون، قال: كذلك خلفتهم، قال: إن امرأتك حبلى، قال: كذلك عهدتها، قال: إنها ولدت غلامين، قال: كذلك كانت أمها، قال: مات أحدهما، قال: ما كانت لتقوى على رضاع اثنين، قال: ثم مات الآخر، قال: ما كان ليبقى بعد أخيه، قال: ثم ماتت الأم، قال: ما كانت لتبقى بعد ولديها، قال: ما أطيب طعامك، قال: نفعه لغيرك. قال: أف لك.
قال: اللئيم سباب.
لا تكن لئيمًا.