- منذ بدء تاريخ الاستعمار والاحتلال عبر العصور القديمة، كان العنوان الأبرز لأسبابه هو السياسة، على الرغم من تداخل الأسباب الدينية مرة، والاجتماعية مرة، ولكن في الحقيقة منذ ذاك كان الاقتصاد يشكل أحد أركانه الأساسية إن لم يكن هو الأساس، بل إن كل حدث سياسي يبدأ به الاقتصاد وينتهي، وعليه كانت الحروب أيضًا؛ لذا تجد الاقتصاد هو السبب المشترك في كل ذلك حتى وإن كانت الأعذار التي تُطلق سياسية أو دينية أو إنسانية وحتى لو أضفيت عليها الشرعية، ثق بأن المحرك لها هو الاقتصاد.
- في الحقيقة نحن نعيش رفاهية العصر التكنولوجي ومزاياه، فقد وفَّر لنا الكثير من خدمات ميسّرة وترفيه وراحة وتبسيط المهام وزيادة الإنتاجية، ورفع الكفاءة والوصول السريع للمعلومات والتعلم بلا حدود ولا قيود ولا ممنوعات، وبالمقابل وفر أيضًا نشاطا تجاريا، وساهم في خلق وظائف ومشاريع كثيرة ورفع أسهم الاستثمارات والابتكارات وطوّر من كل التخصصات المتعلقة بالخدمات وغيرها، أنه يساعد في النمو الاقتصادي بلا جدل.
الحديث عن التكنولوجيا يُجبرنا على الحديث عن أعظم دولتين في هذا المجال، واللتين تخوضان إرهاصات حرب حقيقية في هذا المحتوى، وهما الصين والولايات المتحدة، فبعد أن انتهت الحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة، بالتحديد أثر الحرب الروسية الأوكرانية الحالية، والتي أحرقت فيها الولايات المتحدة كل أوراقها وكأنها تعلن انتهاء الحرب الباردة، وتشغل خصمها بحرب ميدانية، فهي في الوقت ذاته تتفرغ لحرب تكنولوجية مغايرة تمامًا مع الصين، التي كبَّدتها خسائر متتالية لم تضع سياسة «الحمائية» الأمريكية وضوابطها وقيودها لها حدا.
- التنين الصيني الذي يكبر وينسل بصمت تام، فقد نجحت الصين بعقد اتفاقيات تجارية حرة غير مشروطة في العالم كله نسبيًّا، -بخلاف اتفاقية التجارة الحرة الأمريكية المشروطة- حوَّلت العالم بمزاياها المتفردة التي سبق وتكلمت عنها في مقالات سابقة، مما يجعل العالم في الحقيقة يتشبث بها، بل ولا يستطيع الاستغناء عنها، وأكبر تحدٍّ تخوضه الولايات المتحدة في حربها التكنولوجية مع الصين هو خطة الصين التصنيعية 2025، التي أعلنت عنها منذ العام 2015 وها هي اليوم تصبح حقيقة؛ إذ يفصلنا عن التاريخ المعلن عامان أو أقل، وهو ما يجعلنا نتيقن أن الصين تخوض حربًا جادة وحقيقية ولن يوقفها أحد.
- المفاجأة أن «صنع في الصين 2025» لا يتحدث عن الصناعات التقليدية، ولا يعمل على تنمية قطاع الصناعة الذي هو أصلا قطاع واسع وناجح في الصين، بل تعزيز الصناعات الذكية والروبوتات، وصنع اللوجستيات والمصانع الذكية، وتحويل الخامات واللوجستيات المستوردة، وبالذات الرقائق التكنولوجية في هذه الصناعة وجعلها محلية بنسبة 70%.
ماذا يعني ذلك؟ يعني أن الصين ستقود هذا القطاع ومصانعه، وستستقل به استقلالا تاما بدون شروط اتفاقيات التوريد الخاضعة لها، والتي تحد من انتفاعها بصناعة ما تريد صناعته، تعني أن العام 2025 قد يشكل مسارا مختلفا للصين التي إن نجحت في تطوير خاماتها التكنولوجية والتقنية، فقد يتغير كل شيء لتبدأ في الحقيقة مناوشات حرب تكنولوجية مشابهة للحرب الباردة ولكن تُدار بأزرار تحكم، وبتحكم في الأسواق، وهي حرب تختلف اختلافا كليا عن الحروب التقليدية.
@hana_maki00