- سوق الحرفيين بالأحساء من أهم أسواق الحفاظ على الأصول التراثية الحرفية، وتطوير العديد من المهن. استبشر به الكثير وكان محط زوار الأحساء في فترة الكورونا من حظر السفر لخارج البلاد، إلا أنه بعد افتتاحه بدأ يتقلص رواده حتى أصبح خاويًا خاليًا من المحتوى والمحلات المفتوحة ينتظر نهاية أيامه والإغلاق. وأصبح كما ذاك المريض على طاولة الإنعاش في أحد المستشفيات بعد أن نطق الشهادة. إلا أن هذا يدعونا إلى الاستغراب كيف حصل ذلك ولماذا؟ ورغم النماذج الجيدة من مشاريع ناجحة جدا كما في مهرجان التمور بالأحساء، إلا أنه يجب علينا ألا نأخذ بالمسلمات ونقبل التحدي فنعالج المريض، ونأتي لهذه المشاريع وكما الطبيب بالمستشفى بتشخيص المرض ثم وصفة العلاج.
- تذكر أمانة الأحساء في موقعها أن هذا المشروع أتى تعزيزا للمحافظة على التراث والحِرَف اليدوية وامتدادا لانضمام الأحساء إلى شبكة المدن الإبداعية (بمنظمة اليونسكو العالمية) في المجال الإبداعي الخاص بالحرف اليدوية والفنون الشعبية. ويهدف المشروع لدعم منظومة المرافق الخاصة في المنطقة التاريخية بمدينة وسط الهفوف التاريخي؛ حيث يشكل أهمية تاريخية وتراثية؛ كونه سيضم أكبر عدد من الحرفيين في الأحساء مما يكون له الأثر الكبير في دعم الصناعات الحرفية وتأمين البيئة المناسبة للحرفيين وتسويق أعمالهم ودعم السياحة بالشكل الذي يليق بحجم تلك الأعمال ويساهم في دعم الناتج المحلي ضمن رؤية السعودية 2030.
كما يذكر الموقع أنه افتتح في عام 2020م أي أننا أمام ثلاث سنوات من افتتاحه، ويؤكد أنه أنشئ للمحافظة على التراث والحرف اليدوية والفنون الشعبية. ويضيف إن سوق الحرفيين يحتوي على 6 سكك (سكة الصياغة، النجارة، الحدادين، الخوصيات، خياطة الملابس، الخراز، الندافين، البشوت). وأيضا يحتوي على ساحة احتفالات وساحة مطاعم ومقاهٍ وأكاديمية خاصة لتعليم الحِرف اليدوية من قِبل حرفيين ذوي خبرة عالية. لكن أين نحن من كل هذا، وأين وقع الخلل؟ ورغم كل تلك الأهداف الجميلة فلِمَ أغلق أغلب الحرفيين محلاتهم وعزف الناس عن زيارته. ففي البداية قيل إن المحلات إيجارها غالٍ، ثم قيل إن السوق غير مكيف وكل هذه مجرد ظواهر حسية لا تخلق طلبا للسوق وجلبا للناس وريادة. وكمثال فسوق القيصرية غير مكيف وأسعار تأجير المحلات مرتفعة فيه.
- ويبدو أن الخلل وقع في عدم دراسة ومعرفة هذه الفنون والحرف واحتياجاتها واكتفي بالدراسات الأولية قبل إنشائه، فلم تدرس أمثلة مشابهة في غيرها من البلدان أو من عمل دراسة تسويقية تبيّن السوق المستهدف للعمل للوصول إليه وتلبية رغباته. فلم يكن هناك مستشارون بالتراث للاستدامة، ولم يكن هناك خبراء بالتدريب التراثي وأنماطه، أو قائمون ملمّون بالتراث وطرقه وأساليبه لإدارة السوق. وكأحد الأمثلة لم يكن واضحا أن السوق جاء مخصصًا كنوافذ بيع، أم مقرا لمزاولة الحرف. فالنجارة على سبيل المثال تستلزم حيزا كبيرا من المساحة للعمل وهي غير متوافرة بالسوق فأصبحت دور عرض. كذلك اكتفي بنماذج قليلة من الحِرف رغم سعي القائمين على جلب غالب أصحاب الحِرف القديمة المتبقية في الأحساء. إلا أن غالب منتجات هذه الحِرف الطلب عليها قليل بالأسواق وأغلبها قارب على الاندثار أو اندثر بالفعل، كما في صناعة أقمشة البشوت وأعمال الندافة، ولم يكن للحرفيين بالسوق توجيه لغياب الخبرة بالمجال. إلا أن مجال الخبرة بالتراث وأساليبه وأنماطه وكيفية تطويره مطلوبة لإدارة مثله من محتوى، فلا يُدار التراث إلا من مختصين ولا تعامل أسواقه كالأسواق العادية من تخصيص وتأجير محلات فكان الخطأ الأول القاتل للسوق فلم يستطع الاستمرار وبات يحتضر.
- لا أحب أن أكون قاسيا فالجهود القائمة بأمانة الأحساء لا يستهان بها، فلديهم مهندسون أكفاء ونشاطاتهم وكفاءتهم في إدارة المهرجانات ملحوظة يعرفها القاصي والداني لا يمسها حتى الغبار وراياتهم بيضاء. وتلجأ الكثير من الدول وحتى في وطننا الغالي للاستعانة بخبراء للمحتوى التراثي كمستشارين لإرشادهم لأنسب الطرق والأساليب لتحقيق الأهداف الموضوعة، كما بالاستعانة باليونسكو كمستشارين أو من المختصين الدوليين الملمّين بالتراث وعناصره أو المحليين كالهيئات المختلفة، ولكل خبزه، والمثل يقول اعط الخبز لخبازه.