ذكر الأبشيهي في المستطرف في كل فن مستظرف: حكي عن بعض الكرام أنه دعا جماعة من أصحابه إلى بستانه، وعمل لهم سماطا، وكان له ولد جميل الطلعة، فكان الولد في أول النهار يخدم القوم ويأنسون به، ففي آخر النهار صعد إلى السطح، فسقط فمات لوقته، فحلف أبوه على أمه بالطلاق الثلاث ألا تصرخ ولا تبكي إلى أن تصبح، فلما كان الليل سأله أضيافه عن ولده، فقال: هو نائم، فلما أصبحوا وأرادوا الخروج قال لهم: إن رأيتم أن نصلي على ولدي، فإنه بالأمس سقط من على السطح، فمات لساعته، فقالوا له: لم لا أخبرتنا حين سألناك؟
فقال: ما ينبغي لعاقل أن ينغص على أضيافه في التذاذهم ولا يكدر عليهم في عيشهم، فتعجبوا من صبره وتجلده، ومكارم أخلاقه، ثم صلوا على الغلام وحضروا دفنه وبكوا عليه وانصرفوا.
وقد قال بعض الكرام:
أضاحك ضيفي قبل أن أنزل رحله... ويخصب عندي والمحلّ جديب
وما الخصب للأضياف أن تكثر القرى... ولكنّما وجه الكريم خصيب،
مثل هذه القصة هي جزء من تاريخنا العظيم، وفي واقعنا اليوم مثلها وأكثر، ولله الحمد، فنحن أهل القيم، وديننا دين القيم، ولذلك يجب أن نعرف ما يميزنا، فنحافظ عليه ونفخر به، ونوقف كل من ينبح تجاهه أو يصعد بمخالفته.
القيم ليست ترفاً، بل فيها بقاء المجتمعات سامية، والمحافظة على وحدتها، وما تخلت أمة عن قيمها إلا انهارت وأصبحت أضحوكة، فإنما الأمم بقيمها وكرامها.
ولذلك يؤلمك عندما ترى مَن يسخر من قيمنا العظيمة اليوم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، سواء في الواقع أو من خلال –وهو الأكثر- مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك انعكاساً لبيئة الساخر المأساوية وما تربى عليه إن كان قد تربى، أو انخداعاً وتبعية مقيتة للآخرين ممن لم يعرف هذه القيم ولم يتذوقها، أو بحثاً عن شهرة وقتية وعار مستمر.
يجب ألا تتخلى مؤسساتنا التربوية، من البيت إلى المدرسة إلى المسجد إلى الجامعة إلى المجلس عن دورها، ويجب ألا يغيب ذِكر القصص العظيمة التي تُزهر في مجتمعنا والحفاوة بها عن مواقع التواصل الاجتماعي، ويجب أن يقوم الكبار بدورهم في حماية قيمنا، كما حماها آباؤهم، ويجب ألا نقدم خدمة للعابثين بمتابعتهم وتأييدهم، فالقضية ليست سهلة، بل هي حياة مجتمع، ولذلك لا بد من الوقوف صفا واحدا حماية لما يميّزنا.