عدنا والعود أحمد. عاد هذا الأسبوع ملايين الطلبة للمدارس والجامعات والمعاهد في طول البلاد وعرضها، وعاد معهم الآلاف من الإداريين والتربويين والأكاديميين لعام دراسي جديد، وياله من عام. فقد كان الشغل الشاغل لهؤلاء على مدار السنة ونصف السنة الماضية هو العمل بنظام الفصول الثلاثة. قيل ما قيل وسال حبر كثير وعلت الأصوات طلبا لتغيير العمل بذاك النظام، وأخيرا ولله الحمد هكذا كان. لقد تنفس الجميع الصعداء.
غير أن العملية التعليمية لدينا ما زالت تطمح للمزيد. قطاع التعليم لدينا تحت مظلة واحدة يندرج تحتها شرائح عمرية متباينة أشد التباين، من أطفال المدارس الابتدائية وحتى طلبة الدكتوراة في مختلف التخصصات. هذا العدد الهائل من الطلبة ذكورا وإناثا، باختلاف السن، والرغبة، والإمكانات والتوجهات، واختلاف التخصصات، مع كل ما يتبع ذلك من اختلاف وسائل التعليم، يحتم قطعا وجود اختلافات هيكلية في طرق التربية والتعليم وبالتالي الإدارة والتشغيل كما كان الحال عليه في السابق عندما كانت المدارس تحت وزارة التعليم والجامعات تحت وزارة التعليم العالي. إن اختلاف المعلومة، واختلاف طريقة الوصول إليها، والاستفادة منها مرتبط أساسا بالعمر الزمني للأفراد وتوجهاتهم، ولذلك ميزت معظم دول العالم بين التعليم العام، والجامعي والبحث العلمي، وأفردت لكل منها مؤسسة خاصة لإدارته.
والتعليم لغة مشتق من وزن «تفعيلة»، وهي تعني التأكيد على فعل الشيء مرارا وتكررا. وإذا كان التعليم المدرسي لدينا يستوعب نمطا من التلقين فإن التعليم الجامعي يختلف جذريا عن التعليم المدرسي. ذاك مبني على استلام العلم كحقائق وبديهيات وهذا مبني على طلبه. الأول يشاهد المعلومة (آية قرآنية كريمة، معادلة رياضية، تجربة فيزيائية، تفاعل كيميائي، إلخ...) والثاني يفسرها، يحللها، يعللها، يتساءل عن مسبباتها ومعناها ومقصدها وما يرتجى منها.
والمدرسة مشتقة من الفعل درس، وهو في أحد معانيه يعني تتبع الأثر، والدرس هو الطريق الخفي (وفي الإغريقية تعني طلب البهجة) أما الجامعة فهي تجمع عددا من التخصصات المختلفة في مؤسسة تعليمية واحدة.
المدرسة مكان للتعليم أما الجامعة فهي مكان التعلم. في المدرسة تقدم المعلومة للطالب على طبق من فضة في أي تحصص كان، أما في الجامعة (أو هكذا يجب أن يكون) فالطالب يركض وراء المعلومة، يبحث عنها، يطلبها ولذا سمي طالبا.
يأخذنا هذا إلى فضاء واسع سعة العلم نفسه اسمه البحث العلمي. والحديث عن البحوث العلمية في جامعات المملكة وفي بقية الجامعات العربية عموما حديث ذو شجون. وبالرغم من تميز بعض الجامعات لدينا في البحث العلمي (جامعة الملك فهد للبترول والمعادن والتي هي أقرب إلى أن تكون معهدا عاليا للهندسة على غرار إم اي تي) أو جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) التي أعلن عن إطلاق الإستراتيجية الجديدة لها مع بداية العام الدراسي الجديد، وحصول عدد لا بأس به من أعضاء هيئات التدريس ببقية الجامعات على براءات اختراع وتميز في البحث العلمي إلا أنه ما زال ينتظر الكثير من جامعاتنا لكي يتبوأ البحث العلمي مكانته العالية في أولويات التنمية الفكرية والتقنية. الارتقاء بالبحث العلمي في الجامعات أولوية قصوى تتجاوز الإنجازات الفردية لأعضاء هيئات التدريس. إنها ضرورة وطنية كبرى، إنه حديث عن المشاريع التنموية الكبرى التي تواجه المملكة في مختلف قطاعات التنمية.
وكما أصبحت المملكة حديث العالم في مجال الاستثمار الرياضي بفضل تدخل صندوق الاستثمارات العامة فإن القطاع التربوي والأكاديمي والبحثي خصوصا، فكرا، وممارسة، ونتائج، ما زال بحاجة لنقلة نوعية خاصة مماثلة تواكب رؤية 2030.
مدارس وجامعات وبحوث علمية، هذه كلمات عظام تبني دولا وأمما، وحري بكل منها أن تنفرد بوزارة خاصة بها.
أستاذ العمارة والفن بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل