* وجدتُ (شريفة) سيدة عظيمة الشأن والمقام، بإنجازها في منطقة الباحة، محافظة بالجرشي، في بني كبير، قرية الدّهامشة. سمعت عنها، وإنجازها، ونشاطها. لكن كما تقول العرب: ليس مَن رأى كمَن سمع. أن تسمع شيئًا وتتخيّله، فذلك يتوقف على الراوي. أن تشاهد بنفسك، فالأمر يتجلى على حقيقته. أقول بهذا بعد أن شاهدتُ إنجازها. جعلت للأشياء الميتة قيمة، وهوية، ورسالة نابضة بالحياة، والعطاء.
* وجدتُ (شريفة) تعيش مع قصائد متجددة لم تنظمها كلامًا. صنعتها، نحتتها مشاهد فنية تتفاعل مع كل زائر. أجادت رسمها بعقلية تعي ما تفعل. جمعت الشتات. جعلته كيانًا في بقعة صغيرة المساحة، عظيمة الرسالة. هدية لكل أهالي منطقة الباحة وزوارها.
* أثناء زيارتي صديقي (أحمد بن صالح المرشوش). دار الحديث المفيد كالعادة بصحبته. فجأة توجّه بشخصي لمكان لا أعرفه. وصلنا. ترجّل من السيارة. تبعته. وجدتُ نفسي أمام كنز معرفي، يتحدث بكل لغات العالم. كل زائر يستطيع قراءته بلغته. يفهم أبعاده، وغاية رسالته، ويستطيع الإبحار في قوارب الاستمتاع. تلكم معجزة إنجاز (شريفة). جعلت المكان واحة كنز للمعرفة المحلية. الزائر ليس بحاجة إلى مرشد ودليل يشرح. جعلت الشيء يتحدث عن نفسه. ينقلك في جولة بصرية عبر التاريخ البشري لأهالي منطقة الباحة.
* السؤال: هل يملك الزائر مهارة قراءة المحتوى والتفاعل؟ هل يملك مقوّمات فهم هذا الإنجاز؟ لا أتحدث عن متعة تتقمص الزائر، فتلك قدرة يتمتع بها الجميع. لكن أن تسهل (شريفة) قراءة المشاهد، والتعرف على جزيئات مكوّناتها دون مرشد، وبأي لغة، فتلك موهبة وقدرة استثنائية. وجدت هذا من عجائب ما صنعت (شريفة). قدمت الأشياء قصائد تحمل الأزمان. جمعتها في مكان، وجعلته مسرحًا لكل مهارات إنسان تلك الأزمان. إنجاز لم يحققه أحد من قبل في منطقة الباحة.
* ليس بالضرورة أن تكون القصائد الشعرية كلمات تحمل الإبداع. لكن الأفعال ترتقي لأن تكون قصائد جمالية. تسمو ببساطتها وعُمق رسالتها. تجعل الزائر يرتقي بنفسه ومشاعره، فينحني برأسه، احترامًا، وتقديرًا، وعرفانًا بجميل صانع المشاهد. عقل (شريفة) جعلها تنطق وهي جامدة في مكانها. كأنها تتحدث بمشاعر سهلة الإدراك. سلام تعظيم يا (شريفة).
* وجدتُ المكان يعجّ بكل الفنون. إن قلتُ متحفًا فهو كذلك. إن قلتُ معرضًا للوحات فنية فهو كذلك. إن قلتُ مجسّمًا لذاكرة المكان فهو كذلك. إن قلتُ ساحة نقش وزخرفة فهو كذلك. إن قلتُ معرضًا بيئيًّا فهو كذلك. إن قلتُ مجمعًا ثقافيًّا فهو كذلك. إن قلتُ دار ضيافة فهو كذلك. إن قلتُ تاريخ عمارة فهو كذلك. إن قلتُ معلمًا جغرافيًّا فهو كذلك. إن قلتُ مكتبة فكر فهو كذلك. إن قلتُ حداثة فهو كذلك. إن قلتُ ماضيًا فهو كذلك. إن قلتُ معرض أفكار عبقرية فهو كذلك. إن قلتُ حديقة ومياهًا تجري فهو كذلك. يلج الزائر مبهورًا، ويغادر وهو أكثر انبهارًا، وبمشاعر تأخذه في سياحة فكر عبر الماضي والحاضر والمستقبل.
* في كل شبر ترى لمسات (شريفة) السيدة. لا يمكن لسيد أن يصل إلى مداد غايتها. مشاعر المرأة تختلف. هكذا تقول الحكاية. حياة المكان وإنجازاته تثبت أن المرأة في مجتمعنا، قادرة على أن تقدِّم مشاريع لا يمكن أن تحققها أفكار الرجال، وإن اعتلت بهم منابر الخبرة.
* يعج المكان بلغة، ومشاعر، صاغها خيال (شريفة). لمسات مبهرة، راقية وهادفة. توحي بأن خلف الإنجاز شخصية تحمل مدرسة متعددة المناهج. خيال فنانة بمشاعر استثنائية. تحمل رؤية تعطي للأشياء قيمًا إستراتيجية، بفلسفة تمثل دفق مشاعر إيجابية توحي وتقول: إن توظيف الأشياء لأداء رسالة سهلة الفهم والإدراك، عمل عظيم تراه في (متحف عايد) أنجزته (شريفة) للوطن في منطقة الباحة. فخور بوطني وأهله وقيادته. ويستمر الحديث بعنوان آخر.
@DrAlghamdiMH