- في منهج التفكير الذي يتم تعلّمه بكلية الهندسة، يستوجب على كل مهندس عند قيامه بتصميم ناجح أن يأخذ في حسابه، وبدقة تامة، القوى المعاكسة، مثل مقاومة الريح، وقوة الجاذبية، وحين يُقبل على مهمة إيجاد حل لمسألة معينة، فلا بد أن يبدأ بتحديد العوامل التي قد تقف عائقًا دون تحقيق مهمته.
ـ وإذا أردنا التعمّق في سيكولوجية التغيير السلوكي، فسنجد بصمات مشتركة بين منهجية التخطيط الهندسي والتغيير السلوكي، لكن القوى المعاكسة في التغيير ليست في اندفاع الرياح أو مقاومة الجاذبية، بل في داخل رأسك متنكّرة بزي النسيان، أو عدم الثقة بالنفس، أو الكسل، أو الضعف أمام المغريات.
ـ وكيفما كان نوع التحدّي، فالبارعون في التكتيك يدرسون مواصفات القوى المقاومة، ويتصرفون على أساسها، ويشجعونك على تحقيق احتمالات نجاح أعلى عبر تصميم إستراتيجية خاصة بقدراتك، ومع ذلك فقد اتفق أغلبية خبراء التطوير على قاعدة انطلاق مؤكدة تقول إنه اذا أردت تغيير نمط سلوكك، فإن حظوظك بالنجاح ستكون مضاعفة إذا انطلقت من صفحة بيضاء، أي من بداية جديدة كليًّا، حيث لا وجود لعادات قديمة تعيقك.
ـ وتتمثل المشكلة غالبًا في صعوبة وجود هذه الصفحة البيضاء المطلوبة؛ لأن معظم الأنماط السلوكية التي نطمح لتغييرها تتجذر في صلب يومياتنا، وفي مفاصل حياتنا السريعة التي يصعب اختراقها، ولهذا يسهل على الراغبين في إجراء تغيير الانجذاب نحو اللحظات التي يشعرون بأنها تؤذِن ببدايات جديدة.
ـ ويكفي أن نستحضر كمية العهود التي يقطعها معظمنا في بداية كل عام جديد، حيث يؤكد خبراء السلوك أن الناس يميلون إلى الاستمرار في خياراتهم طالما لم يطرأ تغيير مهم على ظروف حياتهم، مثل ولادة ضغوط أو مآزق مستجدّة، أو الاطلاع على معلومات جديدة تدفعهم إلى التعديل في سلوكهم، أو ميزانياتهم، فنحن نميل إلى رؤية حياتنا كمراحل، أو كحلقات منفصلة، أو فصول تتمحور حول الحوادث المهمة التي نعيشها، فقد تكون بداية أحد الفصول الجديدة في حياتك في اليوم الذي انتقلت فيه من منزلك العائلي لتعيش بجوار الجامعة التي ستتابع فيها دراستك، أو بدأت المرحلة الجديدة التالية مع استلامك الوظيفة الأولى بعد التخرج، ومرحلة أخرى مع بلوغك الأربعين؛ أو مع بداية العام الجديد؛ فبداية كل فصل جديد في الحياة، مهما كان صغيرًا، قد تعطي الشخص إحساسًا بأنه يطوي صفحة ويفتح أخرى، وهذه الفصول الجديدة لحظات تحمل معها تغييرًا على الألقاب التي نصف بها أنفسنا، مَن نحن وماذا نفعل في الحياة، وعندما يحدث التغيير في التسمية أو اللقب، فإننا نسعى إلى مواكبته بتغيير فعلي في حياتنا، فننتقل من لقب طالب إلى لقب موظف، ومن لقب مستأجر إلى مالك، ومن عازب إلى متزوج ؛ ومن شاب بالغ إلى لقب أب، وتلعب تلك التسميات والألقاب دورها في سلوكنا، مما يؤثر على طريقتنا في التصرف، حيث تسمح لنا البدايات بأن نتوقف برهة لنفكر في الأمور بشكل مختلف، ونستعيد المشهد الأوسع لحياتنا؛ مما يدفعنا للتغيير في مجالٍ ما.
@LamaAlghalayini