* نتحدث عن الحقائق وكأنها مشاكل، ونحمّلها وزر النّتائج. إن الحقائق ليست مشاكل، ويجب ألّا تكون كذلك. المشاكل تأتي من تجاوز الخطوط الحمراء للحقائق المعترف بها، والمتفق عليها علميًّا. وبعد.. إن ندرة المياه في المملكة حقيقة واضحة وجليّة، كالشمس في كبد السماء. فكيف لها أن تكون مشكلة؟ هي تحدٍّ عظيم. كنتيجة ليس أمامنا سوى التعامل والتعايش مع هذا التحدّي وفق قواعد توازن العطاء المستدام.
* من الحقائق الأخرى المغيَّبة والمهمة في بلادنا «حفظها الله»، حقيقة أن المياه محدودة الكم والكيف. فكيف لها أن تكون مشكلة؟ هي تحدٍّ عظيم. كنتيجة ليس أمامنا سوى التعامل والتعايش مع هذا التحدّي وفق قواعد توازن العطاء المستدام.
* ماذا يعني كل ذلك؟ إن حقيقة ندرة المياه ومحدوديتها في المملكة تشكّل تحدّيًا للوطن بصفةٍ عامة، وتحدّيًا يواجه كل فرد على الصعيد الشخصي. هي قدَرنا في أرضنا الطيبة. هي تحدٍّ يوضّح مدى إيماننا بهذا القدر، وفهمه، وتوظيفه بشكل إيجابي. هي تحدٍّ يفرض التعايش معها وليس مجابهتها وتحدّيها. هي تحدٍّ يمنحنا القدرة، والقوة، والإرادة، والتحفيز، والنبوغ في إدارة الماء. الحقائق تحدٍّ يمكن قياس نجاح مواجهتها وفق معايير علمية.
* لقد مثّل التّعايش مع تحدّي حقائق الماء، إنجازًا مستدامًا، حققته الأجيال التي مضت عبر القرون. وأدعو أن يكون لنا كذلك، من أجل سلامة بقاء أجيالنا القادمة. إن أي جيل مقصّر، ومتقاعس، ومتجاهل لهذا التحدّي بالاستهانة، والاستهتار، والتجاهل، والتجاوزات، والاجتهادات، سيترك أثرًا سلبيًّا لا يمحوه الزمن. إن التّعالي على حقائق الماء سيكون مصيره الفشل، ولو بعد حين.
* إن ثمرة مواجهة التحدّيات هي الفشل الذريع.. سيجعل الأجيال القادمة تواجه العطش. وعليه أرجو أن تكون رؤيتنا المائية (بإستراتيجيتها وخطتها وبرامجها) مبنيّة على حقيقة ندرة الماء ومحدوديته. الحقائق تأتي بالحل معها، وتطرحه في صحن الواقع أمامنا. الفهم الخاطئ لهذا الحل مشكلة عظمى، بل هو مصيبتنا الكبرى. جعل الحلول عقبات ومشاكل، هو قصور وتجاوز سلبي بمحاذير غالية الثمن وقد تكون مميتة.
* هكذا هي حقائق الماء، تتحوَّل إلى مسؤولية إستراتيجية نحو مستقبل وطن وأمة. حتى المسؤولية هنا هي تحدٍّ عظيم الشأن. المسؤولية سهلة الحمل إذا عرفنا ماذا تعني نتائجها. كنتيجةٍ.. وضعت هذا العنوان لأحد كتبي: الماء وطن. وهل يملك الفرد شيئًا أغلى من الوطن؟ الماء أهم بكثير من أي وطن في هذه الدنيا، لكنني جعلته وطنًا لتسهيل فهم معنى أهميته. في جزءٍ منها يعني الولاء والانتماء.
* إن مشكلة جور الاستنزاف وفرط الاستهلاك كانت بسبب طفرة اجتهاد، تجاهلت النظريات العلمية، والخبرات البيئية التراكمية المهاريّة. اجتهاد تجاهل بكل صلافة وجلافة، الحقائق الجغرافية وتحدياتها. اجتهادات جاءت بنتائج سلبية، ستطال بنتائجها حتى الذين لم يولدوا بعد. اجتهادات أراها مُذلّة للعقل، وللعلم، ولإمكانيات إنسان هذا الوطن الشهم. أراها ظالمة لكنوز الوطن البيئية التراكمية عبر القرون. اجتهادات أراها مُذِلّة، وظالمة، وقاتلة لكنوز المعرفة البيئية المحلية، من مهارات كان يجب استغلال العلم لتفسيرها ونشر منافعها أمام العالم. مهارات نظم تعايش وقواعد عطاء بيئي مستدام، تراعي أيضًا حقوق وحاجات جميع شركاء الحياة في وطننا الحبيب.
* التساؤل الأهم: لماذا أخضعنا مصالح وطن وأجيال للاجتهادات في ظل المعرفة، والعلم، والحقائق الدامغة؟ لقد تمَّ تجاوز الحقائق البيئية المتعلقة بالماء. بدأ التجاوز من مرحلة الخطة الخمسية الثانية (1975-1980). وقد تطرَّقت لهذا في جميع كُتبي. هنا أود التأكيد على أنه لم يتم الاكتراث خلال هذه العقود بتلك الحقائق السابقة. تم تجاوزها وبشكل مندفع، أثّر سلبًا على انخفاض مناسيب المياه ونضوبها بشكل حاد وسريع. حقائق الماء قوة دفع وتحفيز وليست قوة تثبيط. حقائق الماء خارطة طريق إستراتيجية. ويستمر الحديث بعنوان آخر.
@ DrAlghamdiMH