@MohammedAlHerz3
أجد صعوبة للركون أو الاطمئنان إلـ ى معيار محدد أقيس من خلالـه الـتغيرات وآثارها الـتي طرأت علـى المجتمع الـسعودي وتحولات ثقافته من الانغلاق إلـى الانفتاح منذ الـشروع في رؤية المملـكة عام 2016 ، وما أعنيه بالمعيار المحدد هو القول بأسبقية عامل كالاقتصاد - علـى سبيل المثال - على آخر كالسياسة في تفسير أو تعليل تلك المتغيرات ، أو الـقول بعامل وحيد وما عداه لا تأثير لـه ، كالانفتاح الـثقافي والاجتماعي الـذي واكب رؤية المملكة على راهن وحاضر الحياة المعاصرة التي
تعيشها أغلب شعوب العالم .
وما يعقد الـصعوبة أكثر هـو أن النهضة الشاملة التي يعيشها المجتمع السعودي حاليا لم ترتبط بجانب معين من الحياة دون غيرها من الجوانب الأخرى ، كالـقول أن الـتطور الـثقافي للمجتمع هـو الـذي يمثّل هـذه النهضة وهو وجهها اللامع وقوتها الناعمة فقط، إنما هناك مسارات متعددة شملها التطور ، لا يقل عن الـتطور والحراك الـثقافي، كالمجال الـرياضي الـذي قفز قفزات متسارعة جعل من الـرياضة السعودية محل انتباه العالم ومحط أنظاره .
ناهيك عن المشاريع الاقتصادية الضخمة الـتي تطال البنية التحتية من تعليم وصحة وترفيه وبناء مدن ، وما يواكبها من توجهات سياسية بوصلـتها الانفتاح علـى الـعالـم وفق
المصالح الكبرى للبلد.
والأهم أن كل ذلـك يجري ضمن إعادة هيكلة مؤسسات الدولة بما يوافق نظام الـرقمنة والحوكمة ، أي ترسيخ الحكومة الإلكترونية التي أصبحت فيها السعودية مضرب مثل لبقية الدول ، وهي من أوائل الـدول الـتي تتربع على عرش هذا النظام ، يتزامن هـذا الترسيخ مع تفعيل نظام المحاسبة من خلال وضع القوانين وتطبيقها، لذلك حين يتوقف نظرك علـى تلـك المسارات في أبعادها المادية كما رأينا وكما هـو واضح للعيان ، لا تجد صعوبة في القول بكل اطمئنان أن ما يعيشه المجتمع السعودي هو نهضة شاملـة ، ولا يحتاج المرء إلـى جهد في التفكير ؛ ليصل إلى هذه النتيجة .
لكن ماذا عن المسارات غير المادية الـتي ترتبط بهذه الـنهضة كأنظمة التفكير على مستوى الفرد والجماعة أو أنظمة الكتابة التي تعبّر من العمق عن روح التغير الحاصل سواء على مستوى المجال الإبداعي أو الـثقافي الـفكري أو الاجتماعي التاريخي ؟ هذا سؤال مشروع ومهم ، لـكنه في نفس الـوقت لا يتاح الكشف عنه ، أو الإجابة عنه إلا بصورة مرحلـية أو جزئية ، لأن المرحلـة الـتي نعيشها الآن هـي مرحلـة عبور وليست مرحلة استقرار ، ولأن - أيضا - مقاربة هذه المسارات تتطلب مراقبة وإحصاء وتتبعا وتطبيقا لمختلف مناهج العلوم الإنسانية الأكثر تطورا »وأضع خطين تحت الأكثر تطورا« حتى لا نقع في فخ تبني النتائج ذاتها التي تم استخلاصها من دراس ة المجتمعات الـغربية لحظة نهوضها نحو الحداثة والتحديث.
لكن من خلال التفكير في مثل هذا
الـسؤال يمكنني إبداء ملاحظات أولـية حول أنظمة الـكتابة الإبداعية بحكم قربي من المشهد ومتابعتي اللصيقة للمنجز المتنوع والكبير الذي أراه متراكما بسرعة فائقة .
أولـى هـذه الملاحظات وأهمها كما أرى الـتداخل المخل بفكرة الأبداع عند الكثير من »ممارسي الإبداع« وأضعها بين مزدوجين حتى أتجنب كتابة »المبدعين« بين الكتابة - من جهة - بوصفها هوية اجتماعية وتاريخية وسياسية ، وبين الكتابة - من جهة أخرى - بوصفها بحثا مستمرا عن قاموسها اللغوي المعبّر عن روح المتغير الحاصل سواء على مستوى الفرد أو الجماعة .
وأكثر ما يتضح ذلـك في خطابنا الشعري ، وأركز على الخطاب الشعري، لأنه يحمل رسائل تتجاوز في مهمتها وظيفة الشعر نفسه . أي أن الـشعر لا يجدد نفسه علـى مستوى الخ ط اب لأن هـذا الأخير يصنع من الفرد الممارس لـلإبداع مجرد رسائل لا تخدم سوى الخطاب نفسه : كثرة المسابقات والجوائز والأمسيات والمناسبات وكتّاب الشعر دليل على هذا التداخل المخل .