- مع نهاية قمة العشرين التي ستصبح فيما بعد قمة الواحد والعشرين بعد انضمام الاتحاد الأفريقي إليها نهاية الأسبوع الماضي سطع نجم الهند عاليا في سماء السياسة والاقتصاد، لقد كانت بلاد المهاتما غاندي بؤرة الاهتمام الدولي إبان انعقاد القمة التي دشنت عصرا جديدا في التعاون الدولي بين الشرق والغرب، وربما كان مشروع الممر الاقتصادي الذي يربط الهند بالشرق الأوسط بأوروبا هو أهم مخرجات القمه، والحديث عن الهند المعاصرة حديث ذو شجون، وكما هو معروف بالضرورة فان الهند قطبا دوليا هاما في كل المجالات، فقد تجاوزت جارتها الصين في عدد السكان ونما اقتصادها في العقود الأخيرة بدرجة مذهلة وتصدرت منتجاتها الرقمية سوق الحواسيب، وقبل أن تكون الهند قطباً اقتصادياً فإنها لنا نحن العرب جار ثقافي قديم قدم الأزل. انظر فقط إلى عمائر الهند وأسماء مدنها وحسابها وأدبها وأسماء نجومها السينمائيين لتدرك الرابط الثقافي المتين بين العرب والهند، ومع ذلك فان هذه الروابط الضاربة في القدم تواجه خطر التعصب اليميني الهندوسي المتطرف الذي يجب احتواءه للحفاظ على العلاقة التاريخية الودية بين العرب والهنود.
- غير أن سطوع نجم الهند في سماء الشرق سرعان ما افل سريعا في غياهب النسيان وسط ليلة ظلماء في سماء الغرب، زلزال المغرب لم يهز جبال أطلس فقط بل هز ضمير العالم، ست ثوان فقط ليس أكثر كانت كفيلة بإحداث دمار لم يشهده المغرب في تاريخه الحديث، لقد أعاد الزلزال الأقوى الذي يضرب المغرب خلال قرن ترتيب أولويات التنمية في البلاد لعقود قادمه وفي فواجع الزلازل عم يتحدث الإنسان عن قرى وبلدات كاملة سويت بالأرض، عن مآسي أحياء يروون قصصا تدمي القلوب والعيون، عن لحظات الرعب والفواجع وهم يفقدون أسرهم وفلذات أكبادهم، عن آلاف الناس الذين ما زالوا إلى الآن يلتحفون السماء خوفا من تهدم ما بقي لهم من مأوى بفعل الهزات الارتدادية،أنظر فقط إلى ماحل بمسجد التنمال التاريخي الذي أسس دولة الموحدين أو إلى منارة وجامع الكتبية في العاصمة الثقافية والسياحية للمغرب مراكش (وان بدرجة أقل) أو قصبة آية بن حدو في ورزازات جوهرة العمارة التقليدية في المغرب، لتعرف حجم الكارثة التي أصابت مغرب العالم العربي والإسلامي.
- في حمأة اهتمام العالم بمتابعة فاجعة المغرب يصحو العالم بعد ثلاثة أيام فقط على فاجعة أخرى أشد هولا، فقد استيقظ العالم على وقع كارثة الطوفان التي اجتاحت الشرق الليبي وحولت مدنه وخصوصا درنة إلى مشاهد تشبه من شدة هول الكارثة مشاهد الرعب والدمار في أفلام الخيال العلمي، صحيح أن كوارث السيول أصبحت ظاهرة متكررة تلف العالم من أقصاه إلى أقصاه، غير أن ما حدث في مدينة درنة الليبية يفوق كل ما سبقه، انه نازلة، كارثة، واقعة، ولك أن تسمها ما شأت، أصبحت معروفة أسباب الكارثة والتي تعود إلى سقوط استثنائي للأمطار بلغ 400 ملم في الساعة على ساحل الشرق الليبي والجبل الأخضر مما سبب جريانا كارثيا لسيل وادي درنة الذي يقسمها إلى نصفين وبعد تراكم المياه في سديها العلوي والسفلي انفجر السدان فحلت الكارثة، أرقام القتلى مخيفة ومنظر المدينة مرعب والواقعة غير مسبوقة في تاريخ الكوارث الحديث.
- الزلزال شيء والفيضان شيء آخر وكلاهما أحداث لا يسأل عنها البشر وليس من الحكمة توجيه اللوم لأحد في خضم هاتين الكارثتين، ونتسمر نحن العرب خصوصاً أمام شاشات التلفزة كل ليلة بحثاً عن أخبار سارة غير أن الرياح تجري بغير ذلك.
أستاذ العمارة والفن بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل