- مع ثورة الاتصالات أصبح الشخص وإن غادر مقر عمله أو مكتبه، فإن ارتباطات العمل لا تغادره، فبريده الالكتروني في جواله، ورسائل «الواتساب» تباغته كلَّ حين.
أضف لذلك رغبة الشخص في تأدية واجباته على أكمل وجه، ومحاولاته المستمرة لإثبات جدارته أمام رؤسائه، وبذل المزيد والمزيد للوصول للقمة وتحقيق نجاحات شخصية تميزه عن البقية.
- وقد ثبت بالمشاهدة أن الموظفين الطموحين، الذين يحتل العمل قيمةً عليا في حياتهم، يكونون أكثر عُرضَةً للانهيار، وفقدان الشغف من غيرهم.
وهذا ما يعرف في بيئات العمل بـ «الاحتراق الوظيفي»، والذي صنّفته منظمة الصحة العالمية بأنه مرض، قد يؤدي إلى الكثير من الاعتلالات الجسدية والنفسية والاجتماعية، وعرّفته المنظمة بأنه ظاهرة مهنية تحدث عندما لا تتم إدارة الإجهاد (الجسدي، والعقلي، والعاطفي) المزمن الناجم عن ضغوط العمل بنجاح وفاعلية، وهو بلا شك تكلفة مرتفعة للطموح المفرط، والاندفاع الجامح نحو القمة، في بيئة تعزز التنافس المحموم، وتستغل تلك التطلعات فتستنزف طاقة الموظف، في ظل غياب الوعي الشخصي، فترى الشخص يتحول من مرحلة الاستمتاع بالعمل والأداء العالي إلى مرحلة الفتور وانعدام الدافعية، مرورًا بالتراجع في الإنتاجية، والشعور بالانطفاء.
وهناك أسباب كثيرة لـ «الاحتراق الوظيفي»، منها على سبيل المثال:
- ضغوط العمل:حيث يُتوقع منك إنجاز الكثير من المهام، في وقتٍ قياسيٍ غير واقعي، مع الافتقار للأدوات والموارد المطلوبة سواءً بشرية أو مالية، وفي ظل غياب الممكنات والصلاحيات الواضحة.
- بيئة العمل غير الصحية: وهي التي ينتشر فيها التنافس المذموم، وتكثر في ممراتها الأحاديث السلبية، والبحث عن الزلات، وينعدم فيها التعاون بين أفراد الفريق، وتفتقر إلى أبسط مظاهر الاحترام والتقدير بين زملاء العمل.
- عدم التوازن بين العمل والحياة الشخصية: في ظل السعي الحثيث للموظف خلف أحلامه، والانغماس في مهام العمل ومتطلباته، قد ينسى أدواره الأخرى في الحياة أو بعضًا منها، مما يؤدي إلى فشله فيها. وهذا الفشل قد يكون القشَّة التي تقصم ظهر البعير.
- المدير الانتهازي: وهو الذي يستغل حماس موظفيه لإثبات كفاءتهم أو «طيبتهم»، في إنجاز المزيد من الأعمال والمهام، ربما غير المهمة أو المُلحّة، دون احترامٍ لارتباطاتهم الأخرى أو مراعاةٍ لأوقاتهم الخاصة.
- الشعور بالظلم: حيث لا يرى الموظفون المجتهدون تقديرًا حقيقيًا ينعكس على تقييمهم السنوي، وفرص الترقيات والتعيينات، مما يشعرهم بالخيبة ويصيبهم بالإحباط فيختارون الانكفاء على الذات والخروج من المشهد في صمت.
عزيزي الموظف، للسلامة من «الاحتراق الوظيفي» عليك أن تعي أدوارك المختلفة في الحياة، وأهمية كل دور، وترتب أولوياتك وفقًا لقيمك ومبادئك، وتتعلم أن تقول «لا» ومتى وكيف تقولها.
أعلم أنَّ الحديث ذو شجون، ولكني أستميحكم عذرًا أيها «المحترقون» فهذا ما يسعني قوله هنا في المساحة المخصصة للمقال.
@MetebQ