اختلف المؤرخون حول تاريخ ولادة الملك عبد العزيز آل سعود، إلا أن الكثير منهم ذهبوا إلى مصادر المؤرخ هاشم بن سعيد النعمي الذي أوضح أنه ولد في مدينة الرياض عام 1293هـ الموافق 1876م، بحسب ما ورد في مجلد تاريخي من بين 12 مجلدًا طبعتها دارة الملك عبد العزيز عن سيرة وشخصية الملك عبد العزيز ومراحل بناء الدولة السعودية الثالثة.
وإذ أصر الملك عبد العزيز على إعادة الرياض التي تُعد امتدادًا تاريخيًا لمسيرة الآباء والأجداد، فإنه ولد وترعرع فيها، ونهل من علمائها بعد أن عهد به والده الإمام عبد الرحمن بن فيصل آل سعود، إلى القاضي عبد الله الخرجي لتعليمه القرآن الكريم والقراءة والكتابة وهو في سن السابعة من عمره.
وفي سن العاشرة تلقى تحصيله في الفقه والتوحيد على يد الشيخ عبد الله بن عبداللطيف آل الشيخ، وبالتوازي مع ذلك كان الملك عبد العزيز يتعلم ركوب الخيل، ومهارات الفروسية.
تأثر المؤسس بشخصية والده
تأثرت شخصية الملك عبدالعزيز كثيرًا بشخصية والده الإمام عبد الرحمن الفيصل، إذ كان أبًا ومعلمًا وأخًا وصديقا لابنه، فضلًا عن شخصية والدته الأميرة سارة السديري التي كانت من أكمل النساء عقلًا وتدبيرًا.
كما كان محبًا لإخوته "خالد وفيصل وفهد ومحمد ونورة"، لكن علاقته بالأميرة نورة احتلت مكانة كبيرة في نفسه، حتى إنه يصفها بالقول: "أنا أخو نورة أنا أخو الأنوار"، ويحرص على زيارتها يوميًا في منزلها.
سيرة الملك عبدالعزيز تحكي عمق محبته لوالده الإمام عبد الرحمن الفيصل -رحمهما الله-، وبعلاقة تكاملية خاصة بينهما تجلت إبان مراحل استرداد الحكم وبناء الدولة، قوامها التقدير المتبادل والتكامل الوثيق والإيثار والبر الخالص، لإيمان والد المؤسس بهمة ابنه وحكمته وشخصيته القيادية الاستثنائية، والتي يظهر بعضها بوضوح في هذه الرسائل.
3 رسائل لأخواته
في جانب الأسرة، حرص الملك عبد العزيز -رحمه الله- على تعظيم قيم العائلة والتواصل وصلة الأرحام، ولم تمنعه مسؤوليات الحكم وبناء الدولة عن الاهتمام بها، وتجلى تقدير المؤسس لأخواته موضي وحصة والجوهرة في 3 رسائل.
إذ أولى صلة الأرحام أهمية خاصة في حياته، واستأثرت أسرته بجانب مهم من سيرته الخالدة، فلم تمنعه مسؤولية الحكم وملاحم توحيد الدولة، عن تواصله مع أخواته والسؤال عن أحوالهن، واطلاعهن على أحواله وأحوال البلاد والعباد، برسائل خاصة كان يبعثها لهن من مواقع مختلفة.
من بينها رسالة بعثها إلى أخته موضي بنت عبد الرحمن الفيصل عام 1343، يطمئنها عن أحواله وأحوال من معه، ويسأل عن حالها وحال والده وإخوته، ويخبرهم بدخول مكة.
ورسالة إلى أخته حصة بنت عبد الرحمن الفيصل، يطمئنها عن أحواله وأحوال من معه، ويخبرها فيها بعد السؤال عن أحوالها وأحوال أسرته، بالأجواء الجميلة في الحج، وطمأنينة وسلامة الحجاج عام 1346هـ.
فيما تضمنت رسالته إلى أخته الجوهرة بنت عبد الرحمن الفيصل إفادة عن أحوالهم وأحوال الرعية، وأنها مطمئنة ومستقرة مستبشرة بحكمه وتطبيق الشريعة، وبعثت عام 1347هـ.
رسائل الإنسانية
أبرزت مجموعة من الوثائق والخطابات الجوانب الانسانية العظيمة في حياة مؤسس المملكة، واهتمامه كثيرا بالتفاصيل الدقيقة في شؤون الناس واحتياجاتهم، تجلت خلالها إنسانيته وبلاغته في خطاباته التي وجهها منذ قرن تقريبًا إلى المسؤولين والأمراء لمراعاة مستلزمات وحقوق الناس والعناية بهم وتأمين احتياجاتهم.
ومنها رسالة بعثها إلى صالح بن عبد الواحد لإرسال الطبيب محمود حمدي لإجراء الفحص على الحجاج في عام 1924م، ورسالة بعثها إلى أحد المسؤولين بخصوص تأمين البيوت لبعض الأئمة والمؤذنين عام 1931م.
ورسالة إلى عبد الله الخالد وعبد الرحمن بن عودان، وجه فيها بتوزيع صدقة للفقراء وتخصيص ثقاة يتولون توزيعها عام 1942م، ورسالة يأمر فيها بتوزيع مصاريف الحج على الفقراء والمساكين عام 1941م، وأخرى يأمر فيها بصرف المخصص السنوي لشهر رمضان، وتسديد طلبات للخويا 1936م.
صورة باسمة مشرقة
للملك عبد العزيز شخصية قوية آسرة، ومهابة تأثر بها كل من قابله، وفي المقابل كان له صورة باسمة مشرقة بأسارير متهللة بما عرف عنه من لين الجانب والتواضع والمرح، وعدم تكلفه في الحديث مع أبناء شعبه ورعيته، فضلًا عن كرمه وسخائه مع الجميع، فلم يكن ملكًا فقط، بل كان رب أسرة ومحبًا للجميع، ورجلا قدوة في أفعاله وسلوكياته.
وبهرت شخصية الملك عبد العزيز الكثير من المفكرين والمؤرخين في العالم، ومنهم المؤرخ الصيني البروفيسور يانغ يان هونغ الذي قال عنه: "لقد كان الملك عبد العزيز أحد العباقرة الذين قدموا لأممهم وأوطانهم خدمات جليلة بجهودهم الجبارة التي لا تعرف الكلل أو الملل، وأثروا في تطور المجتمعات البشرية وتقدمها نحو الغاية المنشودة، وسجلوا مآثر عظيمة في السجل التاريخي المفعم بالأمجاد الخالدة".
ووصف د. فون دايزل النمساوي الذي زار المملكة عام 1926م، الملك عبد العزيز بالنابغة، مستشهدًا بالقول: "إذا عرفتم أن ابن سعود نجح في تأليف إمبراطورية تفوق مساحتها مجموع مساحات ألمانيا وفرنسا وإيطاليا معًا، بعد أن كان زعيمًا لا يقود في بادئ الأمر سوى عدد من الرجال تمكن بمساعدتهم من استرداد الرياض عاصمة أجداده، لم يداخلكم الشك في أن هذا الرجل الذي يعمل هذا يحق له أن يسمى نابغة".
احترام المؤسس للعلماء
عُرف عن الملك عبد العزيز احترامه الكبير للعلماء طيلة فترة حياته فكان يقدمهم على إخوته في مجلسه، ويستمع إليهم، ومبعث ذلك إيمانه التام بقيمة العلم والعلماء وأثرهم في الحياة.
وتحظى شخصية الملك المؤسس باحترام وتقدير العالم أجمع، فمع الإنجازات الهائلة التي كان يحققها داخليًا، كان اهتمامه كبيرًا أيضًا بالشأن الخارجي، بنفس اهتمامه بالشأن الداخلي للبلاد.
وكان يتعامل مع جميع دول العالم بدبلوماسية عالية المستوى، آخذا بعين الاعتبار حق المملكة في استقلالها واختيار طبيعة علاقاتها مع الدول دون الإخلال بمكانتها الدينية والحضارية والثقافية، ما جعله محبوبًا من مختلف قادة دول العالم، ويصبح حديث الإعلام العربي والإقليمي والدولي في ذلك الوقت.
الحق والشريعة إمام وحكم
سعى الملك عبد العزيز إلى تسوية أوضاع البلاد، وتأمين الاعتراف بها مع الدول العربية المجاورة أولًا، ثم مع باقي الدول العربية والإسلامية، وصولًا إلى دول العالم.
فعقد مع الدول العربية اتفاقيات ومعاهدات تهدف إلى تسوية الحدود مع هذه الدول من جهة، وخلق أجواء من السلم والأمن والصداقة معها من جهة أخرى، علاوة على إقامة علاقة دبلوماسية تلبي مصالح البلاد مع دول العالم دون الإخلال بثوابتها.
من هنا وصف الأديب والمفكر المصري عباس العقاد شخصية الملك عبد العزيز بالقول: "كان الملك عبدالعزيز عنيدًا مع الأقوياء، متواضعًا مع الضعفاء، لكنه كان يسمع الرأي الآخر، فإذا اقتنع به رجع إليه، لأنه اتخذ من الحق والشريعة إمامًا وحكمًا".
مغادرة الرياض الحدث الأصعب
عدّ المؤرخون خروج الملك عبد العزيز مع والده الإمام عبد الرحمن وبعض أفراد أسرته من الرياض عام 1308هـ الموافق 1891م، الحدث الأصعب في حياته، إذ غادرها وهو في سنة 12عامًا، وقيل 15 عامًا.
وكانت محطتهم الأولى بعد الرياض واحة "يبرين" في الأحساء، فالبحرين إلى أن وصلوا فيما بعد إلى الكويت واستقروا بها عدة سنوات، ظل فيها الملك عبد العزيز معلق القلب بالرياض التي ولد وترعرع فيها، وكبرت فيها تطلعاته وآماله.
وتحمل الملك عبد العزيز وهو في سن العشرين من عمره طول المسافة وقسوة الطبيعة وهو في طريقه من الكويت إلى الرياض في رحلة بطولية قاد مسيرتها بصحبة 40 رجلًا، اخترقوا جوف الصحراء التي تلتهب رمالها تحت أشعة الشمس الحارة، وصاموا رمضان في واحة "يبرين" في الأحساء، وعيّدوا في موقع يقال له "أبو جفان".
بداية العهد الزاهر
تمكن الملك عبد العزيز من طي زمن العهد الغابر في الرياض، وأعلن بداية العهد الزاهر في نجد، بعد أن بايعه أهالي الرياض وأعيانها عام 1320هـ أميرًا على نجد وإماما لأهلها، عقب صلاة الجمعة في ساحة المسجد الكبير بالرياض.
فدب الاستقرار السياسي في مدينة الرياض بعد سنين من الاضطراب، وكانت وحدة الحكم من أهم العوامل التي مهدت دخول الرياض مرحلة جديدة من النمو الازدهار الحضاري.
ونجح الملك المؤسس عبر رحلة طويلة أضناه فيها طول المشي والتفكير من لملمة شتات البلاد، وإعادة الأمن، والتصدي للفوضى التي كانت سائدة في الجزيرة العربية آنذاك.
وفي شهر محرم من عام 1373هـ ترجل الفارس الملك عبد العزيز عن صهوة جواده بعد أن اشتد عليه المرض في أثناء إقامته في الطائف، وفي فجر الثاني من شهر ربيع الأول من عام 1373هـ الموافق 9 نوفمبر 1953م فاضت روحه إلى بارئها.