- اختتم في الايام القليلة الماضية في الرياض معرض سيتي سكيب 2023 ، والمعرض في مجسمه يعتبر سابقة في حجمه وأبعاده، يحتار المرء في قراءة المشهد العمراني الذي أقيم من اجله المعرض، التقييم الأكاديمي الصارم مستبعد تماما هنا لأنه سيحيلنا لمصطلحات متخصصة ليس هنا مكانها، وعوضا عن ذلك فإن المستخدم النهائي (الساكن) هو معيار تقييم المعرض ومنتجاته. وربما كانت مرجعية نجاح المعرض الرئيسية هي كثرة إقبال الزوار عليه التي توازي حجمه وهي تعكس تعطش الناس لمساكن جديدة.
- المعارض مناسبات اجتماعية لتقديم كل ماهو جديد عرضه، وهنا يتساءل المرء مالجديد الذي قدمه سيتي سكيب للمجمعات السكنية باعتبارها القطاع الأهم في التنمية العمرانية؟ القراءة المعمارية للمعرض ومجسمه تعرض قطعة عملاقة من الأرض تم تخطيطها (تقسيمها) إلى مجاورات (أحياء) لكل منها حدود فاصلة وتنظيم خاص للوحدات السكنية وقد اصطفت حول مرافق اجتماعية من مسجد ومدرسة وأسواق، تمتد المجاورات السكنية بمحاذاة منتزه أخضر في الوسط يقسمها إلى نصفين، الفيلا المنفصلة أو الدوبلكسات او مايعرف بصف المنازل ( ROW HOUSE ) أو المنزل الريفي ( COUNTRY HOUSE ) هي مخرجات المعرض، وقد اصطفت على الشوارع الرئيسية والفرعية في كل مجاورة، وهناك ايضا وحدات كثيرة العدد وقد نثرت نثرا وسط مسطحات خضراء متباعدة تفتقد لأي مرجعية عمرانية، بهذا الوصف فان المعرض يكرس واقعا عمرانيا هو استمرار للماضي أكثر منه استشرافا للمستقبل، فالوحدات كلها متشابهه، وصفوفها طويلة، وتصاميمها وان كانت ماتزال مبدئية منمطة، هذا تصميم من الأعلى للإسفل، من قمة الهرم لا من قاعدته، كما كان يجب ان يكون في مشاريع الإسكان.
- معارض الإسكان لدينا هي معارض عقارية وهنا بيت القصيد، هناك بون شاسع بين ان يكون المسكن منتجا عقاريا أم بيت عمر الساكن، الفكر العقاري استثمار في الأرض والفكر التنموي استثمار في الإنسان، المنتج العقاري كما اسمه هو منتج يقيس المنتج بمسطرة الربح والخسارة المادية في كل صغيرة وكبيرة في بناء وتفاصيل المسكن من مساحة الأرض إلى مساحة البناء إلى نوعية المواد وقس على ذلك، هنا الساكن مغيب تماما عن المشهد وكل ماهناك منتج يضطر الساكن في النهاية إلى القبول به على مضض.
- على مدى تاريخ البناء ساهمت المعارض في تطوير أفكار جديدة ترتقي بالعمارة والتنمية العمرانية، والاسكان من ضمنها، للإمام، وتاريخ العمارة زاخر بذلك، ما رآه الناس في سيتي سكيب ليس بجديد، هناك لمسات ابداعية في بعض الوحدات وهناك تكوينات عمرانية وفراغات مريحة في بعض المجاورات السكنية، لكن المخطط العام للمعرض وهو بيت القصيد هو مخطط عقاري ليس إلا. - المعارض التي تبقى في الذاكرة هي تلك المعارض التي تقدم أفكارا جديدة في التخطيط، والتصميم، والانشاء وعمارة البيئة والانسنة وكل ما يرجوه الساكن في مسكنه، المسكن هو بناء يبدأ من قاعدة الهرم لا من قمته، يبدو واضحا ان المحرك الرئيس وراء هذه المخرجات هي النظرة التقليدية للمسكن باعتباره منتجا عقاريا، وهي نظرة اكل عليها الدهر وشرب وهي السبب وراء نمطية المسكن. هذه النظرة هي عقر للسكن لا بناءه.
- اننا ونحن نحتفل هذه الايام باليوم الوطني نتطلع إلى مجاورات سكنية تحقق رؤية 2030 بأفكار جديدة في مساحة الأرض وحجم المسكن وتصميمه العصري ومجاورة سكنية مؤنسنة، هذا ليس تنظيرا من برج عاجي ولاهو بالأمر الصعب المنال، كل مايتطلبه الامر فكر نوعي جديد للمجاورات السكنية وآليات تشريعية وتطبيقية فعاله، وقبل كل ذلك إرادة حديدية لتحقيقه، فالمسكن من مسماه، هو مقياس جودة حياة للسواد الأعظم من الناس.
أستاذ العمارة والفن بجامعة الامام عبدالرحمن بن فيصل