@LamaAlghalayini
- يجسد مبدأ التناغم الكوني حقيقة مفادها أن كل شيء له مد و جزر ، كل شيء يتدفق للداخل و الخارج، كل شيء يرتفع و يهبط، و يظهر تأرجح الساعة في كل مكان، مقدار التأرجح إلى اليمين هو مقدار التأرجح إلى اليسار و الإيقاع متكافىء، ففي كل شيء تظهر حركة قياسية، و هناك دوما فعل و رد فعل، تقدم و تراجع، طفو و غوص، يظهر في جميع الظواهر الكونية.
- الكواكب و العوالم و البشر والحيوانات و المعادن و القوى و الطاقات و العقل و المادة يتجلى فيها هذا المبدأ، و هو يظهر في إيجاد و إنهاء العوالم، و في نهوض و تألق الأمم، و في قصة حياة جميع الأشياء، و أيضا في الحالات العقلية عند الإنسان، فكل الأمور تتأرجح من الفعل إلى ردة الفعل، و من الميلاد إلى الوفاة، و من النشاط إلى الخمول، و كل الحركات العظمى و الفلسفات فهي تمر بمراحل الميلاد و النمو و النضج ثم التدهور و الموت، ثم يأتي بعدها الميلاد الجديد ، مثل تأرجح البندول، فالليل و النهار متعاقبان، و يتأرجح البندول من الصيف إلى الشتاء ثم يعود مرة أخرى من الشتاء للصيف، و تدور الجزيئات و الذرات و الجسيمات و كل كتل المادة حول مدارها الطبيعي، فلا يوجد انقطاع عن الحركة، و لا يوجد راحة و كل الحركات تشارك في التناغم، و يمكن تطبيق هذه القاعدة الكونية على جميع أشكال النشاط البشري، فهناك دوما ما يسمى بالتأرجح التناغمي من أحد القطبين إلى الآخر، و البندول الكوني في حركة دائمة، و الحياة دوما في حالة مد و جزر.
- لقد أدرك علماء النفس الحديث مبدأ التناغم إدراكًا جيدا، و حملوا المبدأ لما هو أبعد من ذلك، و استوعبوا إمكانية امتداد تجلياته و تأثيراته للأنشطة العقلية عند الإنسان، و مدى مسؤوليته عن التغيرات المحيرة و المربكة التي نلاحظها على أنفسنا، بسبب التتابع المذهل للأمزجة و المشاعر بين المد و الجزر، فإذا تأملت في أحوالك لبرهة ، ستلاحظ تأثير تأرجحات التناغم بكثرة في حياتك، و أن فترة الحماسة قد تبعها شعور مضاد و حالة من الفتور، كما تلت حالة الشجاعة التي امتلكتها حالة جبن مساوية لها، و هذا يحدث مع غالبية الأشخاص، حيث تمتد وتنحسر موجات الشعور بداخلهم، ففهم ديناميكية هذا المبدأ سيعطي المرء مفتاح فك الغموض لهذه الإيقاعات التناغمية من الشعور، وعلى إدارة ذاته بشكل افضل من خلال فهم قانون التكافؤ المنبثق من التناغم، و هو أن التأرجح في اتجاه ما يحدد نسبة تأرجح الاتجاه المقابل، و العديد من الأمثلة اليومية تترجم هذا القانون فعليا ، حيث يتأرجح بندول الساعة لمسافة معينة جهة اليمين، ثم بنفس المسافة لجهة اليسار، و التأرجح الطويل في الاتجاه الأيمن يعني حتما التأرجح الطويل في الاتجاه الأيسر، و القوة التي تدفع الصاروخ للأعلى تستعاد مرة أخرى بنفس المقدار في رحلة هبوطه للعودة، و حالات الإنسان العقلية تخضع لنفس القانون، لكن الشخص الحكيم يمكنه من خلال فهم القانون تخفيف حدة التأرجح الشعوري عن طريق عملية المحايدة و فهم أبعاد الحكمة العميقة في الآية الكريمة « لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ»، فهو دوما بعيد عن الانجراف كثيرا نحو اليمين او الشطح نحو اليسار، و يحاول مراقبة موجاته شعور لتظل في حالة حياد شعوري بعيد عن رغبات «الايجو» في التراقص و التأرجح المتعب للنفس .