- استبشر الناس في منطقة عسير والمملكة عموما خيراً هذا الأسبوع مع تدشين سمو ولي العهد»حفظه الله» لمشروع قمم السودة، ولم لا،فالسودة وهي القمة الأعلى في المملكة، وان كان جبل فرواع في محافظة الحرجة ينازعها اللقب، هبة ربانية في جمال الطبيعة، فقد سما بها ارتفاعها ذاك إلى إطلالات رائعه شرقاً وغرباً وجعل من هبات النسيم الجنوبي الغربي على قممها محملة ببخار الماء ورائحة العرعر بعد سقوط المطر عالقة في ذاكرة زائرها.
- هذه هي السودة أنها ذكرى عطرة لكل من وطئتها قدماه ومؤخرا، اصطلح على تسمية المنطقة الممتدة من غرب مدينة أبها وصولا إلى الجرف بالسودة، في دلالة واضحة على الأهمية الاستثنائية لها، وفي موقع فريد بهذه المواصفات الاستثنائية فأن أي مشروع تنموي يحب أن يدرك معطيات الموقع وان يتم تطويره بناء على تلك المعطيات، ولعل اهم ما يسم السودة أنها منطقة ريفية. هكذا كانت ويجب أن تستمر، غير أن هذه الصفة وفي السنوات الأخيرة بدأت تفقد تميزها مع الزحف العمراني عليها، السودة (القرية ) ومصاطبها الزراعية وسفوح جبالها والمشهد البصري والبيئي لها يجب أن تبقى خالية قدر الإمكان من العمران، قد تبدو تلك مهمة صعبة غير انه من الضروري الإشارة إليها، هذا مايمكن تسميته بـ» تمدُن الريف» وهو تعبير معاكس لـ «تريُف المدينة» الذي تعاني منه معظم المدن العربية اليوم، تمدُن الريف (الزحف العمراني غير المنتظم) هو الخطر الداهم الذي تواجهه المناطق السياحية، ومالم يتم الحد منه وضبطه فأن كل المواقع السياحية ستتحول إلى امتدادات عشوائية للمدن.
- ربما كان الجرف (الحد الفاصل بين السراة وتهامة) هو العنصر الأكثر تميزا في التكوين الطبيعي ليس للسودة وحدها ولكن في كافة منطقة عسير، غير انه في السودة الأكثر تميزا نظرا لارتفاعه ولكثافة الغطاء النباتي بامتداد الجرف شرقا وغربا، يوفر الجرف في السودة إطلالات مهيبة على تهامة تجعل من «المطل» باعتباره مكاناً ومنصة للرؤيا عنصرا أساسيا في أي برنامج سياحي للسوده.
- فيما رشح عن تفاصيل المشروع ما يثلج الصدر تجمعات عمرانية مستوحى تصميمها من العمارة التقليدية للمنطقة وخصوصا توظيف الحجارة في الكتل والواجهات ووحدات سكنية سياحية منثورة بين غابات العرعر وأنشطة سياحية متوافقة مع معطيات المكان كالطيران الشراعي وحلبات التزلج وممرات المشاة وغيرها، وفيما يبدو انه خارطة للمشروع هنا كسته مواقع هي بدءا من الجنوب: سبرة (لعلها شعف آل ويمن)، سحاب (المنتزه)، تهلل وهو اسم جامع للسودة وجوارها، الصخرة الحمراء ولعلها باحة ربيعة، هذه المواقع الأربعة في السراة، أما الموقعين الآخرين فهما جرين وقرية ومنطقة رجال ألمع وهذه الأخيرة أشهر من ان تعرف، تبلغ مساحة المشروع 627 كلم مربع، ومن الواضح إننا هنا أمام مشروع نوعي غير مسبوق في حجمه وأهدافه واستراتيجياته، ويبقى نجاح المشروع مرهون بآليات العمل المتبعة في تنفيذه وفق جدول زمني مدروس في غير اندفاع أو تؤده.
- وعلى أية حال ففي منطقة عسير وعلى امتداد الجرف الحبلي أخوات كثر للسودة ولكل منها جمالياته الخاصة به، تنومة (تبعد عن أبها حوالي 120 كم) بسهولها ومنعاها وشلالاته وتكويناتها الصخرية تستحق اهتماما مماثلا،ففيها تتجلى عبقرية المكان، والشيء ذاته ينطبق على غابات حضوة غرب اثنين باللسمر على بعد تسعين كيلومترا شمال أبها والتي ربما فاق الغطاء النباتي فيها مثيله في السودة، كما أن موقع الجرة في شعف تمنية جنوب شرق أبها - على صغره - مهيأ ليكون موقع استثمار سياحي واعد.
- منطقة عسير قدرها أن تكون قبلة السياح في المملكة والخليج ويأتي تدشين قممها خطوة جبارة في مسيرة الألف ميل.
* أستاذ العمارة والفن بجامعة الامام عبدالرحمن بن فيصل