- حين يكون الإنسان رهينة لأفكاره المسبقة أو المتوارثة ، يتخلى عن التأمل والاستقصاء في مسائل الحقيقة ، بل يكتفي بتناول الأفكار التي تستبد به وتسيطر عليه ، هو لا يستوعب أن العقل المحبوس في القوالب المتوارثة يعني التحجر والخمول ، ولا يدرك أن الحرية الحقيقية تكمن في إطلاق العنان للفكر واستكشاف بواعثه ، إنه الفرق بين سجين يترنح في زنزانة الأفكار الضيقة وبين الروح الحرة التي تحلق في سماء التفكير الواسعة...!
- يقول الأديب الهندي بشام ساهني ، في طفولتي البريئة، كنت أسرق سجائر والدي دون علمه وكان يلاحظ النقص المستمر في علبته، ويوجه اتهاماته الحادة نحو أخي الأكبر، ويعاقبه بلا رحمة ، لم يخطر بباله بتاتاً أنني المذنب الحقيقي...!
- على الرغم من أن أخي الأكبر كان يعلن براءته من تلك الجرائم بكل ما فيه من صدق وإخلاص، إلا أن والدي لم يصدقه ، في إحدى المرات، قرر والدي أن ينصب كمين للكشف عن الحقيقة القبض على لص البيت ، وكان مقتنع ومستعد للقبض على أخي بجرمه المشهود..!
ولكن الأمر المدهش له عندما اكتشف أنه قد ألقى القبض عليّ، لم يتخذ أي إجراء ضدي ، وصرخ بثقة: أنا متأكد أن أخاك الأكبر هو من وكّلك بسرقة السجائر...؟
ثم غادر الغرفة، ليعاقب أخي مرة أخرى بعنف ، فقد كان أبي مقتنعًا بأنه هو الجاني الحقيقي وراء سرقة السجائر، دون أن يدرك أبداً حقيقة ما يحدث..!
- ويبدو ان هذه القصة نجد لها ما يشابهها في تاريخ السياسة العالمي ، في عام 1972 تورطت حملة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في عمليات تجسس غير قانونية على حزب المعارضة الديمقراطي ، عندما تم التحقيق في الأمر، حاول نيكسون تضليل الرأي العام واتهم مساعديه بالمسؤولية ، وفي عام 2013 كشف إدوارد سنودن الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكية، عن تجسس واسع النطاق على المدنيين والدول الأجنبية ، وحاولت الحكومة الأمريكية تبرئة نفسها من الانتهاكات، واتهمت سنودن بالخيانة والتجسس، رغم أنه كان يقول ما يعرفه على حد زعمه...
ولا يمكننا أن نتجاوز تطابق السياسة البريطانية وحكاية السجائر المفقودة ، خلال فترة الاستعمار البريطاني ، تم تجاهل حقوق الشعوب المحتلة واستغلال الموارد الطبيعية بصورة غير عادلة وسافرة وقدمت الحكومة البريطانية تفسيرات مغلوطة لهذا النوع من الاستعمار، مبررة إجراءاتها بأنها لصالح التحضر والتطور وكانت هذه التفسيرات تعكس تضليلاً وظلماً بحق الشعوب المحتلة ، فرنسيا في عام 2010 أصدرت الحكومة الفرنسية قانونًا يحظر ارتداء الحجاب الإسلامي في الأماكن العامة، بحجة حماية العلمانية والقيم الفرنسية ، رغم كون هذا القانون تضييقاً على حرية الدين وتمييزاً ضد الأقليات الدينية ، حيث تم استخدام القانون للترويج لرؤية معينة للعلمانية وتجاهل تأثيره السلبي على حقوق الأفراد.