- المتأمل في أحوال الناس مؤخرًا، يلاحظ أن الإيقاع السريع طغى على كثيرٍ من جوانب الحياة. فالوجبات سريعة، واللقاءات عابرة، والرسائل قصيرة، والكتب مجرد كراريس مختصرة، وصارت السرعة سمة العصر، وكأننا في سباقٍ مع الزمن.!
- حتى في النجاحات الشخصية، أصبحت تستهوينا وتغرينا قصص النجاح السريع، التي لا تخلو في كثيرٍ من الأحيان من المبالغات والتلبيس وقفز الحقائق، أو التي لا يتحدث أصحابها عن معاناتهم وانكساراتهم الحقيقية، مما حدا بالشباب، الذين يملؤهم الاندفاع والحماس، للجري خلف السراب.
- كثيرٌ منا يركزون على لحظة النجاح، ويخدعهم بريقها، فيلهيهم عن التفكير في طول الطريق ووعورته، والعراقيل التي قد تواجههم، فيستعجلون الوصول لتلك اللحظة الفاتنة.
- اشتكى يومًا خبّابُ بن الأرت -رضي الله عنه- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يجده الصحابة من التضييق والإيذاء من كفار قريش، وقال لرسول الله: «ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا».
فذكّره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنَّ الابتلاء سُنَّة ماضية لتمحيص المؤمنين، وأنه لا تمكين بلا ثمن، ثم بشَّره بنصر الله وتأييده، وختم بقوله: «ولكنكم تستعجلون»!
- إن النجاحات الحقيقية تحتاج لكثيرٍ من الصبر والقدرة على الاحتمال، وبذل الجهد والتخطيط والعمل الدؤوب، والمرونة النفسية العالية لتقبّل الفشل والاستفادة منه، والنهوض بعد كل كبوة، وتحمّل الضغوط وإدارتها بواقعية.
وكما قال شوقي رحمه الله:
«وما نَيلُ المَطالبِ بالتَمَنّي..
ولكِنْ تُؤخَذُ الدُّنيا غِلابا»
يشبه النجاحُ الجبلَ الجليدي، الذي لا يرى الناس منه إلا الجزء الظاهر فوق سطح البحر، غير مدركين للجزء الأضخم منه، والمغمور تحت الماء.
فمثلًا، في سباقات الـ 400 متر، والتي لا تستغرق عادةً أكثر من 50 ثانية، نرى فرحة الفائز بالميدالية الذهبية وابتسامته العريضة لحظة التتويج، ولكننا نغفل عن شهورٍ طويلة وربما سنوات من التدريب والإعداد والمثابرة والمعاناة والخيبات والتضحيات.
لقد أثبتت الأيام، بما لا يدع مجالًا للشك، أنَّ الوقت عامل أساس في معادلة النجاح، وأنَّ الانضباط والاستمرارية مفاتيح مهمة للتفوق والوصول إلى المستهدفات وتحقيق أفضل النتائج.
وقد أوصى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عبدَالله بن عباس -رضي الله عنه- بقوله: «واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا، وأنَّ النصرَ مع الصبر».
أما عانى سيد المرسلين سنوات طويلة؟ ولكنه صبر، واستمر ولم يتوقف، حتى مكّنه الله بعد واحدٍ وعشرين عامًا من بعثته، فكان فتح مكة.
ومما قالت العرب «مَن صبرَ ظفر». فوطّن نفسك على الصبر، وطول النَّفَس، ولا تستعجل النجاح، واحذر أن تستطيل الطريق، واستمر في العمل وبذل الأسباب، وإيّاك إيّاك أن تتوقف.
فمن الظلم لنفسك أن تتوقف، وربما كنت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق النجاح، وأنت لا تعلم!
MetebQ@