@DrAlghamdiMH
قرية سعودية تاريخية في قبيلة بني كبير، بمحافظة بلجرشي، منطقة الباحة، أصبح الزائر والسائح يتحدث مع صخور بيوتها الحجرية، وطرقاتها، وأعواد جذوع شجر تسكنها، وعي أهلها والمسؤول جعلها تنبض بالحياة من جديد. برسالة إنسانية سعودية جديدة. جعلوها معلما ومشهدا لمدرسة عطاء. حتى تربة سقوفها المتراكم بعشوائية في بطون بيوتها، لم تعد تنبض بالحسرة وتساؤلاتها. وقفت متأملا قوالب صخور بيوتها تنظر لشخصي مرحبة. لم تعد تحمل الغربة، أصبحنا جميعا نملك أجوبة بددت حيرة الأسئلة وغموضها.
مسحت بيدي سطوح جدرانها، أتلمس ملامح منهج أمة مضت، نظرت إلى نوافذ تحملها جدرانها الصخرية، وقد أصبحت فخورة، ذكرتني بطفولتي في قريتي التاريخية، أصبحت أعيش غربة أمامها، تدفعني بعيدا كجزيئات غبار عديم الفائدة، ذلك مقارنة بقرية العبادل وقد عادت عزّتها، بجهود تُذكر فتُشكر.
وضع قرى منطقة الباحة الحجرية التاريخية، يدفع بالتساؤل: عن أي نوع من التاريخ تتحدث هذه القرى؟ أعيش جور إهمال شاركت فيه مع جيلي بحقها، جعلناها مهجورة، البعض يشم غربة نفسه بروائح نتنة، فيعمل على إزالتها بجرافات الحديد، إلى مهاوي الردى، ومزبلة الجحود والزوال الأبدي. لم يجدوا أنفسهم فيها.
في كثير من القرى، ومنها قريتي، وجدت مشاهد الجحود، هل كانت العقول جاهلة بأهميتها؟ أزالت من الوجود بيوت أجدادهم الحجرية، غيبوا الأرض من نبضات مشاهدها، الشاهدة على تاريخ لم يعطوا له قيمة، هل تجردوا من وفائهم؟ حملوا حجارة بيوتهم ومحتواها على ظهر شاحنات كمخلفات عديمة القيمة، غيبوها عنوة، أطاحوا بوقار عزتها من تاريخ الوجود، قضوا على رسائلها، هل غيّب جهلهم بقيمتها إدراكهم بأهميتها؟
في قرية العبادل الأمر يختلف، الفكر يختلف، الهمّة تختلف، الإنسان السعودي بوعيه وثقافته وقناعاته يختلف، جعلوا من أنفسهم أدوات ووسائل مساندة لبيوتهم الحجرية، منحوها جزءا من حياتهم واهتمامهم، عظموا الوفاء، والعطاء، وقوة رسائل قريتهم، فأصبح مجدا لنا جميعا.
لم يهدموا بيتا واحدا، لم يزيحوا حجرا واحدا، العقول النابغة بالذكاء لأهلها تجاه قريتهم ركّزت على طرقاتها كمرحلة أولى، جعلوها رافدا يعزز بيوتها الحجرية، القائمة والمتهدمة. اختيار استراتيجي له أبعاده في الحفاظ على استدامة رسالة قريتهم السعودية التاريخية.
إزالة أي بيت حجري من الوجود جريمة ثقافية وتراثية وتاريخية، أدعو أن يعاقب مرتكبها، الفرد لا يملك التراث الإنساني السعودي وثقافته العالمية العطاء، لكنه مؤتمن عليه، متى سيتم حماية القرى التاريخية الحجرية في منطقة الباحة بقوة القانون وحزمه وعدله؟
قرية العبادل نموذج لوعي جيل سعودي ولد وعاش طفولته في بيوتها وساحاتها، جمعهم حب غرسته القرية في نفوسهم أطفالا، ثم غادروها كبقية أجيال هجرت قراها بحثا عن الحياة الأفضل، عادوا بعد عقود، وقد وصلوا مراحل من عمر يحمل سطوة الجفاء.. كسلاح.. لبتر ذكرياتهم بهذه القرية، تمردوا على هذا الجفاء، أصبحوا قدوة ومدرسة للوفاء، أعادوا تشكيل هيبة القرية كرسالة سعودية عالمية الأهمية.
تداعت مسؤولياتهم أمام ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، فشكّلوا قوة ذراع واحدة بهدف واحد. جعلوا قريتهم نموذجا لنجاح إعادة التأهيل، حولوا قريتهم إلى وجهة سياحية سعودية.. متعدد الأوجه، والقراءات، والاستنتاجات.
بجهود وحكمة أهلها وكل مسؤول.. ستصبح مشروعاً سعودياً عالمياً.. يقدم تاريخاً إنسانياً سعودياً فريداً.. يمثل جانبا من تاريخنا العربي السعودي.. أتطلع أن تكتمل رسالته أمام كل أجيالنا والعالم.
أخيرا.. تحية إعجاب وتقدير وعرفان وشكر.. لعقول ساهمت في إنقاذ قرية العبادل الحجرية التاريخية التراثية.. وجعلها وجهة سياحية سعودية مهمة في منطقة الباحة.. توحي وتقول.
وللآخرين أقول: إن إزالة أي بيت حجري تراثي من هذه القرى السعودية التاريخية، أو حتى تغيير أسمائها.. هو إراقة لدم الأجداد وطمس لتاريخها عبر القرون.