[email protected]
- حظي جامع عمرو ابن الجموح في حي المريكبات في الدمام بانتشار واسع على وسائل التواصل وبتغطية إعلامية على مستوى المنطقة والمملكة، وقبل الشروع في الحديث عن المسجد لابد أولا من الوقوف على التعريف بالمسجد باعتباره «جامعا». من الناحية اللغوية والشرعية المسجد مستوف لشروط الجامع، أما من الناحية المعمارية ففي ذلك خلاف. الجامع هو المسجد الضخم الكبير الذي يتسع لآلاف المصلين وينفرد عن محيطه بأبعاده الضخمة وجامع المدينة أكبرها وهو ما لاينطبق على مسجد ابن الجموح، ولذلك فإنه من الأفضل وصفه بالمسجد ومن هنا نبدأ. هذا ليس تقليلا من قدر المسجد بل إنه مصدر تميزه.
- يستحق المسجد التغطية، وفي حقيقة الأمر فإنه حرك كثيرًا من المياه الراكدة لموضوع عمارة المساجد والتي سيكون لنا معها وقفة في مقالات قادمة إن شاء الله، هناك ثلاثة عوامل أساسية جعلت من المسجد متميزًا عن بقية المساجد. هناك أولا عنصر الاخضرار. فما إن يقترب المرء من حواف المسجد حتى نتقله النباتات والشجيرات المحيطة بالمسجد وساحاته والتي ترافق المصلي في دخوله وصولا لقاعة الصلاة. هذه الشجيرات مصحوبة أحيانًا بالماء. أضاف جلب الخضرة والماء الى جوف المسجد بعدًا إنسانيا وحيوية وشعورًا تلقائيا بالراحة للمسجد تفتقر اليها مساجد اليوم. الجدير بالذكر أن الماء والخضرة «إذا ما توفرت»، كانتا عنصرين أساسيين في ساحات المساجد في كثير من أنحاء العالم الإسلامي.
- المسجد ناصع البياض من الداخل والخارج. ومن المعروف سلفا أن للألوان تأثير مباشر على الشعور بالارتباح في المكان. واللون الابيض محايد فهو يتناسق مع كل الالوان. لقد كان لبياض أرضيات وجدران وسقف المسجد دور هام في الشعور بالارتياح داخل المسجد كما أن عناصر أثاث المسجد من فرش ومساند ورفوف المصاحف تبدو متناسقة مع بعضها بفضل الخلفية البيضاء اللون في كافة أنحاء المسجد.
- وسط هذه الأسطح ناصعة البياض المطهمة بشجيرات خضراء يتسرب الضوء الطبيعي الى المسجد من جدار القبلة والجدار المقابل له في حين بقي الجداران الجانبيان خاليان من النوافذ. جدار القبلة هنا عمل متميز لوحده. من الجدار يرى المصلي الضوء وكأنه شلال يتدفق بفعل إطار المشربيات بيضاء اللون التي تحيط بأقواس النوافذ الكبيرة التي جعلت من جدار القبلة أشبه بغلاف زجاجي يتدفق منه الضوء بسلاسة لقاعة الصلاة. وخلف شلال الضوء ذاك هناك اخضرار الأشجار خارج المسجد. وعند الشعور بازدياد الضوء تنزل ستائر المسجد البيضاء اللون تلقائيا لتلامس قاع النوافذ الزجاجية بدقة تبعث على الاعجاب.
- من حيث التصنيف الكلاسيكي والأكاديمي للمساجد فإن المسجد لايحظى بتلك الاهمية، بل إنه قد يكون خارج التصنيف. وهنا يطرح موضوع عمارة المساجد نفسه بقوة عن الآليات المتبعة في عمارة المساجد. وتبقى كلمة السر في تميز المسجد في «أنسنته» كما وردت في لقاء تلفزيوني مع أحد القائمين عليه. والأنسنة هنا تعني ببساطة مشاركة اجتماعية للمصلين في شؤون المسجد.
- هكذا تصبح العمارة فن المشاركة ويضمن لها قبولا اجتماعيا تفتقر إليه تلك الأبنية التي تصمم وتنفذ في غياب تام عن أصحابها.
* أستاذ العمارة والفن بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل