- نحن أهل الكرم ونحمد الله على ذلك، هذا هو ديننا وهذه هي قيمنا، وقد قال أنس بن مالك رضي الله عنه: ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاه، قال: فجاءه رجلً فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم أسلموا، فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة.
- ومن مآثرنا التي نفخر بها ونفاخر ما قام به الشيخ مقحم بن تركي بن مهيد (من قبيلة عنزة) رحمه الله «مصوّت بالعشاء»، الذي دفعه كرمه للتصويت بالعشاء مرتين، الأولى في عام 1327 هـ، وكانت تلك السنة سنة مجاعة لم ينقطع فيها نزول الثلج أربعين ليلة، فوقف ينادي الضيوف ويكرمهم في تلك الأجواء.
وفي عام 1335 هـ صوّت ابن مهيد بالعشاء لمدة عام كامل وكان عدد الحضور يقدّر بالآلاف وقد أمر أن تطفأ الأنوار عند وضع الطعام لعلمه بأن هناك نساء فقيرات يحضرن متخفيات لتناول الطعام، وأخذ ما يتيسر منه لهن ولأولادهن.
- الشيخ ابن مهيد الذي أبقى الله ذكره لم يبحث عن التصوير كما يفعله بعض المتسلقين على الكرم اليوم، مع أنه كان يستطيع ذلك، والشعراء هم كاميرات ذلك الزمن القوية والواضحة، والدليل أن شاعراً اسمه كريدي توجه إليه طالباً إعانته، وعندما وصل وجد مناسبة كبيرة، فسلّم وجلس وسط الناس، وعندما وضعوا العشاء لم يتقدم الضيف ولم ينتبه له أحد لرثاثة ثيابه، ولكن ابن مهيد بقي واقفاً وهو يقول لخادمه: اسمع يا عليان! ترى الضيف ضيف الله ما هو ضيف الهدوم (أي الملابس)، وأجلس ضيفه رث الثياب بجانبه على صينيته الشهيرة (أم الحلق) وهو يخدمه ويقطع له من اللحم، وحين تفرّق الضيوف سأله عن حاله ومطلبه، فقال الشاعر: أنا عاني على الشيوخ.
فرد الشيخ: حنّا يعنون لنا ثلاثة، واحد مالت عليه الدنيا نعطيه ونستره، وشاعر نخاف من لسانه نعطيه، وفقير له عيال جوعى نعطيه لوجه الله.
فقال: أنا شاعر يا طويل العمر!
قال الشيخ: لو تكون القصيدة بيني وبينك ويجيك المقسوم.
وهنا الشاهد، وقد قال بعد ذلك: اسمع يا كريدي أنت بوجهي عن الفقر والحاجة ما دمت حي، وأنا بوجه الله.
ليت مصوري العشاء الذين لا يرحبون بضيوفهم إلا إذا اشتغلت الكاميرات، ليبدأ بعدها إضاعة المكارم بالمونتاج والنشر، يعلمون أنهم يفعلون فعلاً معيباً، لا يليق بهم ولا بضيوفهم، ولن يبقي ذكرهم، فما كان لغير الله يذهب، وما كان لله هو الذي يبقى.
@shlash2020