@shlash2020
- ابتلينا اليوم بمن أستطيع تسميتهم الأصوات العالية، تدعي البطولات وهي بلا بطولة، وتدعي العلم وهي لا تملك منه ذرة، وتدعي الفهم والتوجيه وهي لم تضبط أبسط أمورها.
- مثل هؤلاء يجب الانتباه منهم ولهم، لأن الصوت العالي قد يجر غيره لما لا تحمد عقباه، ويدمر نفسه بنفسه حين يعيش في الفشل ويظن أنه أساس البطولة والنجاح،
تذكرت أصحاب الأصوات العالية وأنا أقرأ قصة لابن قتيبة جاء فيها: كان بالبصرة شيخ يكنى أبا الأغرّ ينزل ببني أخت له في سكة بني مازن، فخرج رجالهم إلى ضياعهم في رمضان وخرج النساء يصلّين في مسجدهم فلم يبق إلا الإماء، فدخل كلب يعتسّ، فرأى بيتاً فدخله وانصفق الباب فسمع الحركة بعض الإماء فظنوا أن لصاً دخل الدار فذهبت إحداهنّ إلى أبي الأغر فأخبرته، فقال: ما يبتغي اللص؟ ثم أخذ عصاه وجاء، فوقف على باب البيت وقال: إيه، يا ملأمان، أما والله إنك بي لعارف فهل أنت إلا من لصوص بني مازن شربت حامضا خبيثا حتى إذا دارت القدوح في رأسك منّتك نفسك الأماني، وقلت: أطرق ديار بني عمرو فأسرقهم؟ سوءة لك، والله ما يفعل هذا ولد الأحرار، وايم الله لتخرجنّ أو لأهتفنّ هتفة مشؤومة يلتقي فيها الحيّان وتسيل عليك الرجال ولئن فعلت لتكوننّ أشأم مولود.
- فلما رأى أنه لا يجيبه، أخذ باللين فقال: أخرج بأبي وأمي، أنت مستور، إني والله ما أراك تعرفني ولو عرفتني لقنعت بقولي واطمأننت إليّ، أنا- فديتك- أبو الأغر النّهشلي، وأنا خال القوم وجلدة بين أعينهم، ولن تضارّ الليلة فاخرج فأنت في ذمتي وعندي قوصرّتان أهداهما إليّ ابن أختي البارّ الوصول فخذ إحداهما فانتبذها حلالاً من الله ورسوله.
- وكان الكلب إذا سمع الكلام أطرق وإذا سكت وثب يريغ المخرج، فتهاتف أبو الأغرّ ثم تضاحك وقال: يا ألأم الناس وأوضعهم، لا أرى إلا أني لك الليلة في واد وأنت لي في واد، أقلّب السوداء والبيضاء فتصيخ وتطرق، وإذا سكتّ عنك وثبت تريغ المخرج، والله لتخرجنّ أو لألجنّ عليك البيت.
فلما طال وقوفه جاءت إحدى الإماء فقالت: أعرابي مجنون، والله ما أرى في البيت شيئا، فدفعت الباب فخرج الكلب شدّا وحاد عنه أبو الأغر ساقطاً على قفاه، ثم قال: يا لله ما رأيت كالليلة! والله ما أراه إلا كلباً، أما والله لو علمت بحاله لولجت عليه.
- كم أبو الأغر بيننا؟! احذر أن تكون أبا الأغر.