[email protected]
- استبشر أهالي المنطقة الجنوبية والمملكة عموما هذا الاسبوع بخبر الموافقة على انشاء كلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك خالد بأبها، وهو ماكانت المدينة والمنطقة بأمس الحاجة له، ويتضح من مسمى الكلية أنها سوف تسير على خطى كليات عريقة في جامعات المملكة وهو مايجعل منها استمرارا عدديا لسابقاتها، غير أن العمارة شيء والتخطيط شيء آخر، ومن اسمها فالعمارة نشاط انساني فطري عفوي.
- العمارة قديمة قدم الإنسان ذاته، العمارة فن ومجتمع وثقافة، العمارة في النهاية هي فن البناء فرديا كان ام جماعيا، في المقابل فان التخطيط يعني تنظيم التنمية العمرانية في المجتمع وفق نظريات اجتماعية واقتصادية وسكانية، انه مختلف كلية عن العمارة، العمارة من المريخ والتخطيط من الزهرة، التخطيط تخصص حديث وهو في المجال الأكاديمي يعود في أصوله إلى السياسات الحكومية التي اتبعتها كثير من دول العالم في مراحل مختلفة من القرن المنصرم في التنمية البشرية، لكل دولة على حدة، وخصوصا الدول التي انتهجت أسلوبا مركزيا في الحكم والادارة، فيما اصبح يعرف بالخطط الخمسية المترادفة عدديا.
- عندما تقترن العمارة بالتخطيط فأن أول مايتبادر للذهن هو التخطيط بمفهومه العمراني والعقاري تحديدا، فقد اصبح التخطيط في العقل الجمعي لدى غير المختصين يعني التطوير العقاري ومن هنا حدث اللبس، اذ اصبح التخطيط مرادفا لمفهوم العقار، وهكذا تصبح العمارة نشاطا عقاريا، هذا زواج الأكراه، وفي هذا ضرر كبير على كل منهما، هنا تفقد العمارة أهم صفاتها التي تميزها و تصبح نتاجا فيزيائيا لعمليات تخطيط عقارية معدة سلفا، ويتحول مفهوم التنمية في التخطيط إلى تطوير عقاري ليس إلا، وبالرغم من ان لكل من العمارة والتخطيط خططه وبرامجه الاكاديمية وجهازه الاكاديمي والاداري المستقل، إلا أن تواجدهما في جسم واحد وأدارة مشتركة على مستوى الكليات والجامعة يؤثر على انتاجيتهما، في العربية تعني واو العطف الجمع بين المتجانسات وهو مالا ينطبق على العمارة والتخطيط، أضف الى ذلك فان المنطقة الجنوبية الغربية من المملكة ظاهرة بيئية فريدة، ولذلك فان التعامل معها تنمويا وعمرانيا يجب ان يتم وفق هذا المنظور.
- كيف يمكن للتخطيط بحمولته العقارية التي ارهقته وحادت به عن طريق الصواب ان يتعامل مع الطبيعة التضاريسية للمنطقة، وماهي حاجة أشجار العرعر والكادي له، وكيف له ان يتعامل مع ماتبقى من الحيوانات البرية التي تحاول الجهات المعنية جاهدة الحفاظ عليها لأزدهار التنمية السياحية للمنطقة، كيف يمكن للتخطيط وهو على هذه الشاكلة أن يواكب التنمية السياحية التي تشهدها المنطقة وبقية مناطق المملكة؟
- هذه الأسئلة تجعل من عمارة البيئة تخصصا ربما فاقت اهميته أهمية العمارة ذاتها، المنطقة الجنوبية بحاجة إلى عمارة البيئة كتخصص رئيسي ليس على مستوى المملكة فحسب بل على مستوى المنطقة والوطن العربي ككل، فقط انظر إلى الخارطة البيئية للمنطقة تدرك أولوية تلك المهمة.
- وكان للفن ايضا نصيب من الاهتمام، لكن ادراجه تحت عباءة الثقافة يجعل منه هو الاخر تابعا لها، وبالرغم من العلاقة الوثيقة بين الثقافة والفن، إلا أن اتساع مفهوم الثقافة وبلورته في تخصصات أكاديمية صلبة ليست بالمهمة السهلة، اضف إلى ذلك فأن منطقة عسير ومنذ زمن ليس بالقصير تحتضن حركة فنية وفنانين موهوبين بالفطرة مما يجعل من استقلال الفن بكلية خاصة به فقط، مطلبا ملحا وواقعا معاشا يدركه أهالي المنطقة وزوارها.
- رؤية 2030 تتطلب تفكيرا مستقبلياً لا تفكيراً ماضويا يعيد انتاج التجارب السابقة ذاتها، ويأتي تبني الدولة للعمارة والفن بمنطقة هي موطن العمارة والفن تدشيناً لعصر جديد من الفن والعمارة بمنطقة عسير والمملكة.
* أستاذ العمارة والفن بجامعة الأمام عبدالرحمن بن فيصل