@DrAlghamdiMH
القلق على الماء قلقا مشروعا، بحاجة إلى تعظيم ليصبح ثقافة مجتمع، هذا ما عظّم شأن استمرار حديثي عن المياه في بلدنا سقاها الله، خلال الأربعة عقود الماضية، أراه لشخصي جهادا علميا ذو منفعة عظيمة لصالح الأجيال القادمة، وكنتيجة جاء العنوان لهذه المقالة، كبداية لسلسلة من مقالات قادمة عن المطر، فهل للأمطار خطورة في ظل ندرة المياه في بلدنا حفظها الله؟ ما خطورتها؟ وكيف تكون؟
نعرف بأننا في وطن صحراويي جاف في بعض مناطقه، لكنه جاف جدا في مناطقه الأكثر مساحة (1.366) مليون كيلو متر مربع، هذا يدعونا لتعظيم القلق على المياه، ويدعونا إلى أن ندعوا الله في نزول المطر رحمة ومنافع، نعرف أن المطر المصدر الطبيعي الوحيد، والرئيس لمياهنا الجوفية الثمينة، هذا يدعونا لتعظيم القلق عليها.
نعرف أيضا أن كمية المطر قليلة وشحيحة، وتتعاظم في جزء بسيط من مساحة هذا الوطن العزيز، (2.25) مليون كيلو متر مربع، حيث تتركز في شريط قمم المناطق الجبلية المطلة على سهول تهامة من جبال الحجاز والسراة، وبعرض لا يتجاوز (10) كيلو متر، وترتفع بأكثر من (2000) متر، هذه الحقائق تدعوا أيضا وبقوة لتعظيم القلق على المياه، وعلى سلامة وصحة بيئة تلك الجبال الاستراتيجية عظيمة المنفعة على مر العصور.
هذا الشريط المطير هو الأهم استراتيجياً لمياه الحاضر والمستقبل، وهو ما تبقى من المناطق المطيرة التي كانت تشمل مساحة أوسع، (0.884) مليون كيلو متر مربع، تمتد من الشمال الغربي إلى جنوب الغربي من بلدنا حفظها الله، وهي المساحة المحاذية لسهول تهامة شرقا، حيث مياه البحر الأحمر غربها، هذه المناطق التي كانت يوما جميعها مطيرة، تعتلي مباشرة شرق شريط سهول تهامة الضيقة من شمال المملكة إلى جنوبها.
الحقائق تؤكد أن تلك المنطقة المطيرة تقلصت بفعل عوامل كثيرة، لم يتبقى حاليا منها سوى الشريط المطير في الجنوب الغربي، الممتد من الطائف حتى أقصى نقطة جنوبية، فقده هو الآخر يهدد وجود حياة أجيالنا القادمة، إن كل عوامل الفقد ومؤشراته تتعاظم عبر العقود، ويتفاقم أمرها في ظل إهمال يعاني منه هذا الشريط المطير، إهمال يأخذ منحنيات ومسارات عديدة تزيد الطينة بلة كما تقول العرب، خاصة مع تدمير وإهمال جبالها دون عناية واهتمام.
أعود فأقول: الأمطار نعمة، لكنها قد تتحول إلى نقمة، الأمطار خير وبركة بفوائد ومنافع، لكن قد يكون لها الكثير من الأضرار والتحديات الساحقة والماحقة، تتجلى وتتضح منافع الأمطار التاريخية من خارطة التوزيع السكاني قبل بداية مرحلة اكتشاف البترول في بلدنا المحروسة بعون الله، كانت هذه المناطق المطيرة هي الخزان البشري للمملكة.
تعامل أهلنا عبر القرون في هذه المناطق مع حقائق المطر بكل صنوف المهارات ودرجات الحذر، فأسسوا للتراث المهاري المائي في حياتهم منهجا لا يحيدون عنه فهو خلاصة تجاربهم عبر القرون، الضامن لبقائهم وبيئتهم وشركائهم في الحياة فأصبح سهل التعليم والتطبيق تتوارثه الأجيال كمنهج حياة .
هذه التجارب التراكمية تحولت إلى مهارات تعتمد على حقائق، يتم توارثها بدقة بين الأجيال، تمثل خلاصة حضارة الرمق الأخير التي كانوا يعيشون، وهي حضارة بمعايير، وأدوات، ووسائل، وفكر، وفلسفة تفي بمبدأ البقاء في أقصى الظروف البيئية قساوة، وتحد عظيم، فكان أن شكلوا منهج التعايش البيئي، يأخذون ويعطون، يحمون ويرعون وينتفعون، يحرسون البيئة ويضمنون لهم الأمن المائي والغذائي.
منهج التعايش مع البيئة أساس البقاء وصمام ضمان الاستدامة أيا كان نوعها، ويستمر الحديث بعنوان آخر.