@DrAlghamdiMH
كانت حراسة منافع البيئة أحد أهم مهام أهلنا في مناطقنا المطيرة، بلغوا حقيقة أن على بيئتهم الجافة تحقيق ضمان الحد الأدنى من منافع تكتب لهم حضارة استدامة البقاء. فعظموا شأنها بوسائل فاعلة، من أهمها القلق الدائم على سلامتها في وضع معطاء، يعادل عطاءهم لها، حياتهم بكاملها كانت موجّهة للعناية بالبيئة في المقام الأول، وضع يعادل عنايتهم بأنفسهم وأهلهم، في ظل قوانين متوارثة صارمة، وحازمة، وملزمة لكل فرد.
عبر القرون، وبقدر ما كان أهلنا في مناطقنا المطيرة، يبذلون من جهد وخدمة لهذه البيئة بقدر ما يحققون ضمانات استدامة حياتهم على أديمها،وحتى يتحقق لهم ذلك عرفوا كل أسرار البقاء، وقوته، وعوامل هيمنته، وتأثيره المستقبلي عليهم، وعلى البيئة وشركائهم في الحياة، ونتيجة لذلك أصبح لكل شيء عندهم مهارة خاصة تحقق منفعة مستدامة.
في نظام الحياة كل شيء يقوم بدور، حتى الحجر، والمدر، وبقية مكونات البيئة وأرضها، كل شيء يجب أن يكون حيّا بمنفعة، ليضمنوا بقاء حياتهم، أصبح جزء من مهمتهم ووظيفتهم المحافظة على استدامة حياة الأشياء الأخرى، حتى وإن كانت جمادا، والدليل أنهم منحوا كل مكون في هذه البيئة اسما يُعرف به، كأنه فرد منهم، هذا يحقق أهمية الشيء، ويعطي مكانة اعتبارية في سلسلة منافع تحقق العيش الضروري لاستدامة حياتهم.
ما يشكل محور الموت والحياة في هذا النظام التراثي المهاري لنمط الحياة هو منفعة الشيء، وعلى هذه الفلسفة قامت مناهج الحياة عبر العصور لأهلنا في هذه المناطق المطيرة، أستمر هذا حتى عهد قريب، وقد عشته شابا بحذافيره، ومارسته من عام (1969 وحتى نهاية عام 1971)، حيث غادرت مع جيلي للمشاركة في بناء بلدنا حفظها الله، انتصرنا في معركة البناء، لكن خسرنا مهارات تراثية استراتيجية، هل حان الوقت لإحيائها وتفعيلها مع إمكانيات ومقومات الحاضر العلمية والاقتصادية؟
منفعة الأشياء في البيئة هي محور البقاء في ظل ظروف شح المياه وندرتها، التعامل مع حقائقها يعتمد على حكمة التعايش والتعامل، هناك قواعد راسخة للعبة البقاء عندهم، لا يمكن الخروج عنها والتمرد عليها، فذلك مدعاة لدعوة الموت بشكل صريح.
تتوارث الأجيال الخبرات والمهارات بإتقان وحرفية دقيقة، لضمان جودة الإخلاص للحياة بشكل كامل، الإخلاص ثمرة الإتقان، الذي هو محور نجاح أداء كل المهارات المتوارثة، كل شيء بمهارة خاصة، يجب اتقانها في حياة حضارة الرمق الأخير، حيث يشكل المطر محورها، ليس هناك مهم وأكثر أهمية، فكل شي فيه منفعة مهم، ليس هناك درجات في أهمية المهارات، المطر هو جامع الشمل، وعليه قامت المستوطنات البشرية في شريطنا المطير على قمم جبال الجنوب الغربي المطلةّ على سهول تهامة.
اكتشفت بالصدفة -أقصد ما أقول- بأن هذا الشريط المطير متباين في أبعاد عرضه حيث يتراوح ما بين (3 إلى 10) كيلو متر. ثم اكتشفت أن شجر العرعر يحدد هذا الشريط بشكل أكثر دقة، ثم اكتشفت أن معظم القرى في جنوبنا الغربي تقع في هذا الشريط، ثم اكتشفت أن هذه القرى أشبه بنقاط حراسة لسلامة حضارة الرمق الأخير واستدامتها، ثم اكتشفت أن انسان هذه المناطق يتوارث المهارات التراثية لأنها الأكثر ضمانا في ظل هذه الحضارة.
إن دور العقل في حضارة الرمق الأخير هو إظهار حكمة التمسك بمنهج حياتها، أثبتت التجارب السابقة التراكمية جدواها وأهميتها، ذلك ليس تعطيلا للعقل، ولكن تركيز قواه ونفوذه وحكمته لمساندة محور البقاء للإنسان، وللبيئة، ولشركائه في الحياة، ويستمر الحديث عن خطورة الأمطار بعنوان آخر.