بين الثقافة والطاقة علاقة عميقة قاسمها المشترك هو التنوير بكل اشتقاقاته الفكرية والمعرفية العلمية، وانطلاقًا من ذلك لم يكن لأرامكو السعودية إلا أن تعزز تلك العلاقة وتقدم مزيجها الذي يُسهم في إثراء الواقع بخلاصة الفكر الإنساني إلى جانب دورها الرائد في رفد العالم بالطاقة الموثوقة لتنمية ونماء مختلف المجتمعات حول العالم.
على مدار عقود اقترن الدور الثقافي لأرامكو السعودية بجهدها الوافر في مجال الطاقة، حيث قدمت مبادرات نوعية تدعم الحضور الثقافي والفكري والأدبي من خلال محبرة المطابع التي سكب فيها كثير من أعلام الثقافة والفنون والأدب مدادهم وعصارة فكرهم بما يعزز المعرفة ويُسهم في تحقيق التحولات المجتمعية التي يقودها أصحاب الأقلام المستنيرة الذين وجدوا في فضاءات أرامكو السعودية متسعًا ومنبرًا للمشاركات الإثرائية بمقالاتهم ورؤاهم وأفكارهم الملهمة.
على مدى سبعة عقود ظلت أرامكو السعودية ترفد الفضاء الثقافي بعديد من المبادرات، ومن بين أولاها «قافلة الزيت» التي صدر عددها الأول في أكتوبر 1953م (صفر 1373ه )ـ بموافقة المغفور له جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – على إصدارها، ومعها انطلقت الشركة في تعزيز الجهد الثقافي ليس على المستوى الوطني وحسب وإنما على امتداد محيطنا العربي والإسلامي بذات ما كان يرجوه أول رئيس تحرير لها وهو الأستاذ حافظ البارودي، يرحمه الله، حين كتب في ذلك العدد «نرجو أن يكون هذا المشروع كبير الفائدة، عظيم الأثر في نشر المعرفة والعلم».
طوال تلك العقود كانت «قافلة الزيت» التي تغيّر اسمها لاحقًا في عدد مايو/ يونيو 1983م إلى «القافلة»، أحد جسور التواصل المنيعة للشركة مع المجتمعات حيث واكبت توسع الشركة ونمو نشاطها المجتمعي لتتحول إلى موسوعة معرفية متنوعة احتضنت، ولا تزال، أقلام كثير من الرموز الفكرية والثقافية والأدبية الرفيعة في التاريخ والأدب والفكر، أمثال: عباس محمود العقاد، وطه حسين، وحمد الجاسر، وشكيب أرسلان، وغازي القصيبي، وغيرهم من المبدعين.
واصلت «القافلة» مسيرتها عبر 700 عدد لتكون منصة للتنوير والإبداع، فكانت بمعية الكثيرين حيث يحرص عليها الموظف والطالب والمعلم والعامل والإداري والمسؤول بمختلف اهتماماتهم وتنوع مشاربهم الفكرية والثقافية والتعليمية، فما يُقدم على صفحاتها يضيف إلى المخزون الثقافي، ويفتح الآفاق المعرفية، ويصل الأصالة بالحداثة، ويغوص في التاريخ والتراث، ويجول في الجغرافيا والأمكنة، ويوثق التنمية والازدهار، ويستكشف أحوال المجتمعات ومتغيراتها عبر استطلاعات في كل دول العالم، وذلك ما جعلها حيوية في نقل المعرفة والتعريف بالآخر في أي مكان.
تسير «القافلة» عبر الزمن لتواصل عطاءها الذي يعكس قيمنا الإنسانية، ونزعتنا المعرفية، وهي من أرامكو والسعودية لكل العالم، وشهدت مزيدًا من التطور ومواكبة المتغيرات، تحريريًا وفنيًا، وقبل ذلك مزيدًا من التواصل مع قرائها الذين يظلون ويبقون الطاقة الدافعة لتواصل مسيرتها، والحافز الملهم لتكون أكثر مقروئية، فكان أن اتسع نطاق حضورها من خلال استخدام التقنية بالتواجد في منصّات التواصل الاجتماعي لتصافح عشاقها في مختلف أنحاء العالم، وعبر تلك المنصات أطلقت المجلة في عام 2021م نسختها الخاصة من بودكاست القافلة.
وإني وإن كنت أحد قرائها المنتظمين، أجدها سانحة لاستذكر ما قاله المربي الفاضل الأستاذ عثمان الصالح، يرحمه الله، في وصفه للمجلة حين قال: «القافلة مجلة للعلم والأدب والاجتماع والثقافة.. ولولا أن عنوانها الذي يوحي بأنها صادرة عن شركة أرامكو السعودية لما شك شاك أنها دائرة معارف دينية وأدبية وثقافية مختصة، وإنها لضوء فكري وقبس تنويري». ويعزز ذلك ما ذكره الأديب الكبير الأستاذ عبدالله بن خميس، يرحمه الله، بقوله: «القافلة معلم من معالم الفكر والفن والأدب والثقافة.. وفي هذا المعلم مجلة «القافلة» ما يغرس حياة المعاني السامية، والمثل العليا، وتتجلّى فيه حضارة الأمة وسموّها، ويبني تاريخها الحضاري على أسس من الجمال والكمال والقوة».
«القافلة» التي تحتفي بعيد ميلادها السبعين تقف شامخة بغزارة إنتاجها عبر تلك الأعوام التي بقيت فيها منارة للضياء الثقافي، وشعلة للتنوير لا تنطفئ جذوتها. وفي هذا المقام، فإننا نُجزل الشكر لكل المبدعين الذين تناوبوا على رئاسة تحريرها وحافظوا على قيمها ورسالتها، وجميع من عملوا فيها حيث خدموا الثقافة والفكر بما جعلها إحدى أيقونات التنوير والإعلام العربي، وهي بحق على نحو ما قال به الأديب والدبلوماسي الدكتور غازي القصيبي، يرحمه الله: «القافلة، رغم صدورها من أكبر شركة زيت في العالم، لم تفسح للزيت وشؤونه سوى مجال محدود، وتركت للثقافة، شعرًا ونثرًا وتاريخًا وعلومًا اجتماعية، المدى الأكبر من صدورها، وعقلها..»، ويقيننا أنها ستظل تواصل تقديم الأفضل لقرائها لأن ذلك ديدنها ومنهجها الذي لا تحيد عنه.
نائب الرئيس للشؤون العامة في أرامكو السعودية