[email protected]
لاصوت يعلو هذه الايام فوق صوت الصراع في أرض فلسطين ، الغرب بمفهومه الجغرافي والسياسي المباشر رأى فيه صراعا بين ما يسميه «منظمات ارهابية» وبين دولة يعتبرها الديمقراطية الوحيدة في محيط من الديكتاتوريات وفق زعمه، غير أن الغرب هنا ليس متجانسا في هذه النظرة فهناك الغرب الرسمي الممأسس في هياكل الدول الغربية ومراكز الدراسات والأبحاث التابعة لها، وألسنتها الاعلامية، وهناك المجتمعات الغربية التي جابت جموعها الحاشدة عواصم وكبريات مدن الغرب ذاته منددة بسياسات مؤسساتها الرسمية التي انتخبتها، وقد كان مد هذه الموجات عاتيا لدرجة ان احدى المنظمات اليهودية (وياللعجب) اقتحمت مبنى الكابتول في معقل صنع القرار الامريكي منددة بالدعم الكامل من الحكومة الامريكية لسلطات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني. وهنا يطرح السؤال الكبير نفسه بنفسه: إلى أي درجة تعبر بها الديموقراطيات الغربية عن ناخبيها، وأين هو العقد الاجتماعي الناظم لهذه العملية بين الناخب والمنتخب، وهل هذه ديموقراطيات حقا كما تدعي؟.
- أما في الشرق فقد طافت مدينة سيدني كبرى مدن أستراليا (وهي البلد القارةالغربي فكرا وحضارة الشرقي جغرافيا) مظاهرات حاشدة مؤيدة للشعب للفلسطيني، مرورا بأندونيسيا أكبر دول العالم الاسلامي سكانا، إلى شبه القارة الهندية، في بنجلادش والباكستان، إلى معقل الشرق ذاته في دول الطوق، وربما كانت جنوب إفريقيا هي البلاد الأكثر تعاطفا مع الشعب الفلسطيني، ولاعجب، فقد عانت هذه الدولة الإفريقية من نظام الفصل العنصري (الأبارتايد) الذي يطبق حاليا في الأراضي المحتلة.
- هناك أيضا قراءات إعلامية، فمع كل حادث تماس بين الشرق والغرب سرعان ما تقفز الصورة النمطية عن الآخر إلى الأذهان وذكرى الاكاديمي الراحل ادوارد سعيد ليست هنا ببعيد. فهاهي كبريات المحطات التلفزيونية الغربية تستدعي صورة الآخر وتقدمه على أنه نقيض منها. إنها تقدم أي تصور وأي رأي مخالف أو أي فعل سياسي كان أو حربيا على أنه عمل أقل ما يمكن وصفه بأنه غير مشروع. انظر إلى طبيعة التغطيات الإعلامية للأحداث. لقد وصل حد وصف تلك المحطات للأحداث لدرجة يصعب على العاقل تصديقها، ومع ذلك فما زالت تلك الصورة المنمطة عن الآخر (الشرقي) تبدو ثابتة لا تتزحزح .
- في القراءة الإنسانية، انظر إلى أي مدى وصل الأمر بساسة الغرب. لقد أصبح المطلب الأول لهم تحرير الرهائن. هكذا وبكل بساطة يتم مقايضة تطلع شعب الى التحرير من نير الاحتلال طوال سبعين عاما بتحرير عدد محدود من الرهائن الغربيين. هذه رؤية الغرب الديموقراطي المتسلط على غيره بشعارات حقوق الأنسان والديموقراطية وحرية التعبير. هكذا يطلق الغرب لآلة الحرب والدمار قتل النساء والشيوخ والاطفال وهدم المشافي والبيوت على رؤوس اصحابها من دون رادع، مقابل هذا المستوى من اللامسؤولية وانتفاء اخلاق الحروب كانت صيحة وزراء الخارجية العرب في مؤتمرهم الصحفي: اين هي المساواة بين حياة المحتل وحياة صاحب الارض، تلك اذا قسمة ضيزى صيحة مدوية زأر بها ساسة الخارجية العرب.
- ويبقى للتاريخ وللمنطق كلمته. كاراكاتوا اسم لجزيرة كانت ذات يوم في أرخبيل اندونيسيا، كانت الحمم الربكانية تغلي في جوفها الى ان انفجرت في عام 1883 وزالت من الوجدود في اكبر انفجار بركاني في التاريخ المدون لدرجة أن سمع صوت الانفحار في أستراليا وصاحبه موجات تسونامي عاتية تجازت الأربعين مترا وراح ضحيتها أربعون ألفا من البشر، ما يحدث الآن في المنطقة شبيه بما كان يجري في جوف كاراكاتوا، الكل يتضرع ألا ينفجر برميل البارود؛ فقد عانت المنطقة الكثير والكثير من النزاعات وحان وقت السلام.
* أستاذ العمارة والفن بجامعة الامام عبدالرحمن بن فيصل