- منذ طفولتي وأنا أعرف أن القحفية والطاقية والكوفية هي أسماء لقطعة قماش مصممة بشكل نصف دائرة تغطي الجزء العلوي من الرأس. والدتي غفر الله لها في الأيام غير الباردة من أيام الدراسة كانت تصر على أن اضع كوفيتي وهذا الاسم الذي كانت تستخدمه رحمها الله على رأسي تلقيني حر الشمس وأشعتها، وكانت تذكرني بضرورة أن أرتدى كفيتي عند الخروج من المدرسة في آخر اليوم الدراسي حيث يكون الوقت أكثر حرارة ، وأشعة الشمس أكثر حدة، وتركيزاً. استمرت القحفية كجزء من اللباس أو الزي العادي لي ولغيري من الناس في بيئتنا المحلية، واستمرت المحافظة على اقتناء، وارتداء القحفية عند التقدم في العمر، حيث لا يصلح ارتداء الشماغ، أو الغترة إلا بوجود قحفية تغطي قمة الرأس ومن بعدها يتم وضع الغترة فوق القحفية. بفضل الله إلى اليوم وماتزال المحافظة على القحفية وملحقاتها مستمر معي ومع الغالبية العظمى من الناس حولي.
- مع التغير الذي يلف العالم ويؤثر بشكل أو بآخر على عادات الناس، وموروثاتها الثقافية، نمت عادات مقبولة، ومتفهمة إلى حد كبير نافست العلامات، أو السمات التقليدية للشخصية في منطقتنا حيث انتشر في العقود الماضية تفضيل البعض للباس الحديث مثل القمصان والبنطلونات وغيرها، الجميل أن هذه التغيرات بقيت في نطاق معين ولصيق بالمكان والزمان الذي يوجد فيه المرء فعلى سبيل المثال يمنع دخول دوائر ومؤسسات الدولة بدون الزي الوطني، و اقتصر اللباس الجديد في حالات السفر، أو قضاء أوقات الفراغ، أو في اللقاءات الغير رسمية.
- ولكن في السنوات المتأخرة جداً بدأ الناس يلاحظون أمور غريبة بعيدة عن القحفية والغترة والعقال، لعل من أبرز تلك المظاهر التي عادة تؤسس على الزي الحديث في أشكال مختلفة أرتداء الخواتم المبالغ فيه للرجال و ارتداء سلاسل ذهبية وفضية في أعناق البعض، واطلاق الشعر بصورة مبالغ فيها وربطة في مؤخرة الرأس على شكل ذيل حصان مثلاً، كما بدأت تظهر عادة غريبة تمثلت في رص عدد من الأساور المعدنية و القماشية في أيدي الشباب بشكل يجعلني أترحم على زمن القحفية.