على مدى عقود من الزمن شهدت الصين نمواً متواصلاً في القوة والازدهار الاقتصادي ولكن هناك دلائل متزايدة على أن المعجزة الاقتصادية قد انتهت وأن الطريق إلى المزيد من النمو في السنوات المقبلة سيكون أكثر صعوبة، وفق ما ذكرت شبكة ياهو فاينانس الأمريكية. ولكن هل يعني هذا أن الصين فقدت فرصتها في التغلب على الولايات المتحدة؟
نموذج النمو في الصين
ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الصين معدلا وفقا للتضخم من 293 دولارا في عام 1985 إلى أكثر من 12 ألف دولار في عام 2021 وقد جعلت التركيبة السكانية والصادرات والاستثمارات الرأسمالية هذه المعجزة الاقتصادية ممكنة.
التعداد السكاني الهائل
وكان التعداد السكاني الهائل في الصين والذي كان الأكبر في العالم حتى تجاوزها من قبا الهند مؤخراً بمثابة مكان للعمالة الرخيصة لتجميع السلع التي يتم تصديرها. وفي الوقت نفسه، استثمرت الحكومة بكثافة في البنية التحتية لدعم نموذج النمو القائم على التصدير وتعزيز مستويات المعيشة.
خطر يكتنف نمو الصين
ومع ذلك، تحول الاقتصاد الصيني من نموذج يتمحور حول التصدير إلى نموذج يقوده المستهلك وتغذيه الديون في السنوات الأخيرة وهذا النموذج الآن في خطر.
واعتبارًا من شهر يوليو، انخفضت واردات الصين وصادراتها بشكل أسرع من المتوقع مع تراجع الطلب فقد أدت التوترات التجارية الأخيرة بين الصين والولايات المتحدة، والتي بدأت في ظل الإدارة السابقة واستمرت في عهد الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن إلى تعطيل العلاقة التجارية التي كانت جزءا لا يتجزأ من "المعجزة" الاقتصادية التي شهدتها العقود الأربعة الماضية أو نحو ذلك.
ارتفاع الأجور في الصين
ومن ناحية أخرى، ارتفعت الأجور بسرعة وفقاً للمكتب الوطني للإحصاء في البلاد، الأمر الذي أدى بالتالي إلى تضييق الفجوة بين العمال الصينيين والمنافسين في الأسواق الأخرى.
ونتيجة لذلك، أفادت الصين أن صادراتها انخفضت بنسبة 14.5٪ على أساس سنوي اعتبارًا من يوليو.
وفي وقت سابق من العام، قالت بكين إن اقتصادها نما بنسبة 3% فقط في عام 2022 وهي أبطأ وتيرة منذ منتصف السبعينيات دون احتساب عام 2020 وهو العام الأول لفيروس كورونا.
انخفاض عدد سكان الصين
ولا يعد هذا التغيير الوحيد الذي تشهده البلاد حاليًا فليس فقط أن الصين لم تعد الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم بل إنها في الواقع تشهد انخفاضًا في عدد السكان يمكن وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة أن يؤدي إلى انخفاض عدد سكان البلاد إلى أقل من مليار نسمة بحلول عام 2080 ثم إلى أقل من 800 مليون بحلول عام 2100.
تهديد العقارات
ولعل أكبر تهديد للآفاق الاقتصادية للصين هو إدمانها على العقارات حيث تعتبر العقارات تقليديا الطريقة الأكثر أمانا لحفظ رأس المال وحمايته في الصين.
والآن، تمثل العقارات السكنية والتجارية 25٪ من اقتصاد البلاد ولهذا فإن انخفاض أسعار المنازل وفشل المطورين البارزين مثل "إيفرجراند" يمكن أن يؤدي إلى أزمة ديون.
وفي ضوء كل هذا، قال المحلل السياسي بيتر زيهانهاس إنه يعتقد أنه ربما يكون أمام الصين عشر سنوات أخرى قبل أن تواجه اضطرابات مدنية كبيرة وتدهورًا اقتصاديًا.
الآثار العالمية
وقد أعطى النمو الاقتصادي في الصين تأثير هائل على الجغرافيا السياسية في العقود الأخيرة، والتي ستكون نهايتها ذات آثار كبيرة على بقية العالم.
قد يعني ذلك أن التجارة والتمويل والجغرافيا السياسية يمكن أن تتمحور حول الولايات المتحدة لفترة أطول من المتوقع. ويبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة 75.269 دولاراً، أي أعلى بنحو ستة أضعاف من نظيره في الصين. وقد توسع الاقتصاد بنسبة 2.1% في الربع الأخير ومن المتوقع أن يظل النمو ثابتاً حتى عام 2033. ولا يزال الدولار يهيمن على التجارة الدولية في حين تمثل البلاد 12.4% من النشاط الاقتصادي العالمي. مع ذلك، لا يزال أمام الصين فرصة للتغلب على أكبر منافس لها ولكن استنادا إلى التوقعات الحالية، يبدو هذا غير مرجح.