n الحديث يتواصل عن المطر وتحدياته، وقبل الاسترسال في طرحها وأبعادها، أعيد نصا ذكرته في مقال الأسبوع الماضي، لتأكيد حماية الآباء الذين مضوا من تهم تخلف يروجها البعض في غياب فهم فلسفة ظروف منهج حياتهم.
n "إن دور العقل في حضارة الرمق الأخير التي سادت في بلادنا لقرون في أقسى الظروف قساوة وصعوبة، هو إظهار حكمة التمسك بمنهج حياة، أثبتت التجارب السابقة التراكمية جدواها وأهميتها، علميا وعمليا. ذلك ليس تعطيلا للعقل، ولكن تركيز قواه ونفوذه وحكمته لمساندة محور البقاء للإنسان، ولشركائه في الحياة، وللبيئة".
n هنا تظهر قوة العقول التي مضت وذكائها وفطنتها. الذكاء أن تكتب لنفسك وذريتك البقاء في ظروف تحديات ندرة المياه. السؤال: متى يتحقق هذا؟ وكيف؟ يتحقق ذلك عندما تعتمد في بقاء حياتك على مهاراتك الشخصية، وعلى ما تحققه هذه المهارات من سبل عيش توفره بيئتك في ظل ندرة المياه وشحها. يتحقق ذلك عندما تجعل بيئتك تقف معك. هكذا كانت حضارتهم. اعتماد كامل على أنفسهم ومهاراتهم التراثية في كل مجالات الحياة. هل يعني هذا انغلاق كان يعيشه أهلنا في بيئتنا الجافة؟ كأني أراهم يرفعون ويفعلون هذا الشعار: عندما تقف معك البيئة فلن تكون وحيدا.
n العقل في حضارة الرمق الأخير لأهلنا في أرضنا الجافة عبر القرون كان يدعم في المقام الأول خيارات البقاء ويعززها. يعطيها الأولوية. ليس مطالبا بأن ينتقل إلى مراحل أخرى في ظل تهديدات ندرة المياه على الحياة. هكذا كان وضع العقل في حضارة الرمق الأخير التي سادت في مناطقنا الجنوبية الغربية المطيرة. إنها وظيفة حضارية وليس تخلفا أو قصورا في هذا العقل او تعطيلا لقدراته.
n هذا العقل في حضارة الرمق الأخير جعل لكل شيء في بيئته هوية اعتبارية، وجعل لهذه الأشياء اسماء تعرف بها أمام الجميع، مثلها مثل البشر، وبحقوق يجب احترامها. أيضا عمل هذا العقل على تجسيد منافعها، ودورها، ووظيفتها في هذه الحضارة التي سادت بفعل شح موارد المياه، وبالتالي عطاء البيئة المحدود. عقل جعل كل شيء ينبض بالحياة، وبأهميته، ووظيفته، ودوره في حضار الرمق الأخير هذه.
n من أنواع الحياة التي منحوها لمكونات البيئة -على سبيل المثال- هي ما نعرفه اليوم باسم: (التربة)، وكان للجزء الحي من هذه التربة اسما سيرد ذكره لاحقا. حيث جعلوا التربة بشكل عام الوعاء المهم الذي يحصد ماء المطر، ويحمله، ويخزنه. هذه الوظيفة كانت تأخذ الأولوية. هي الأساس الذي بنى عليه انسان مناطق الجنوب الغربي كل بقية مقومات حياته الأخرى.
n جعلوا التربة تنبض بالحياة لتعظيم منفعتها غذاء يحصدونه. جعلوا التربة الميتة حية بما تحمله من مقومات نجاح زراعتهم وتعظيم دورها دون استنزاف لعناصرها الغذائية. جعلوا التربة الحية في بيئتهم تمثل كرامتهم ووجودهم. أعلوا من شأنها فأصبحت هي كل شي في حياتهم، عناية، وحماية، وتنمية، واستثمار. التفريط فيها تفريطا في الحياة نفسها.
n في حضارة الرمق الأخير موت التربة موت لحياتهم. وفقدها فقدا لأوطانهم. جعلوا التربة محور تمسكهم بالبيئة. تمنع هجرتهم وتعزز وجودهم وتمسكهم بالأرض التي تحملهم جميعا.
n التربة في مناطقنا المطيرة لا تقدر بثمن. وحتى يكون لها حضارة جعلوها هي الحضارة نفسها. جعلوها حية بمفهومها العلمي. ثم عرفت أن ممارستهم مع التربة هي نفس ما يتم تدريسه في كليات الزراعة والجامعات ذات الاختصاص. وتعجبت أن كل ممارسة لهم مع التربة كانت وفق قواعد علمية اكتسبوها بالخبرات عبر القرون. ويستمر الحديث بعنوان آخر.
DrAlghamdiMH@