أوضحت الشاعرة تهاني الصبيح، أن ازدياد الحضور النسائي على مستوى النشر الأدبي في العام الماضي، يشير إلى استغلال المرأة السعودية للفرص الثقافية الممكنة.
كما دعت المبدعات، في حوار خاص لـ"اليوم"، في ضوء المؤشّرات المرصودة في "تقرير الحالة الثقافية في المملكة 2022" الذي أصدرته وزارة الثقافة مؤخراً، إلى كتابة الشعر رغم اعترافها بميلهن إلى الرواية، إذ إن الأخيرة تخلو من القيود خلاف النظم.
فإلى نص الحوار:
رصد تقرير "الحالة الثقافية 2022" ارتفاع نسبة التأليف النسائي الأدبي.. كيف تشاهدين التصاعد وما مسوغاته؟
المرأة السعودية الآن أشبه بفراشة تخفق حول الضوء، وإن كتبت رواية أو نظمت قصيدة لم تعد تتوارى من سوء فعلها، وتتوشح باسم مستعار، ولم يبق نتاجها الأدبي حبيساً في الذاكرة، أو منفياً في الأدراج، وصار حلم النشر واقعاً ترصد أبعاده، فأصبحت صانعةً للفكر، وناهضة بالحضارة، غير أنني لا أنكر الدور الرائد الذي اضطلعت به حكومة المملكة ومؤسساتها الثقافية وعلى رأسها وزارة الثقافة؛ في تهيئة كل الإمكانات لتشجيع ودعم المرأة السعودية في مجال التأليف والإبداع، الأمر الذي حثها على إشهار نتاجها، والتباهي به وبانتمائها لوطنٍ وضعها في المكانة الثقافية اللائقة بها.
هل يفضلن "الرواية" من دون غيرها؟ بعد أن أنتجن 109 روايات متجاوزات الروائيين، بينما في الشعر لم نر منهن سوى 15 ديواناً شعرياً مقابل 98 شاعراً؟
أعتقد أن كتابة الرواية أسهل من كتابة الشعر، لأنها جنس أدبي غير مؤطّرٍ بمقاييس الوزن الخليلي، وغرف القصيدة الجاهلية، ودهاليز الصور ومراحل الصياغة المتفردة، كما أنه فن أدبي لا يحتاج كثيراً إلى هندسة لفظية وذكاء بلاغي، يتمكّن من جذب المتلقي المهتم، ويثير دهشته، ويأسر حواسه.
إنني أقول إن الروائي لا يسحرنا كما الشاعر، لكن الرواية جنس أدبي له ثقله، وله روّاده ومبدعوه، وهو الأكثر رواجاً، لكثرة مريديه الذين لا يحتاجون إلى الاجتهاد في إدراك ما يقوله الكاتب، أو فك بعض الطلاسم التي عادة ما يتسلّح بها الشاعر للدلالة على فهمه للغة، وتحايله على مدلولات ألفاظها، ومن هنا لجأت الكثير من الفتيات إلى احتراف كتابة الرواية، والعبور من خلالها إلى بوابة الشهرة، وهو عمل أُشجّعهن عليه، إلا أنني أوصيهن بالشعر خيراً، وأدعوهن إلى إعادة إحيائه من روح الخنساء، وولّادة بنت المستكفي، ونازك الملائكة.
هل قلة النساء الشاعرات اللواتي نشرن مؤلفات مقارنة بالشعراء يثبت الرأي الرائج حول غلبة الشعراء على الشاعرات؟
لا أظن ذلك، قلّة النتاج لا يعني غلبة الشعراء على الشاعرات، والعبرة لديّ بالكيف لا بالكمّ، وميدان الأماسي الشعرية، ومحتوى الدواوين المنشورة للجنسين هما اللذان يثبتان للجمهور من هو المتفوّق على الآخر، وهما فقط من يحشدان الأصوات والهتافات، ويرفعان رصيد الإعجاب لكلٍّ منهما، وربما قلة النتاج أُبَرِّرُها بكثرة المهام المناطة بالمرأة إلى جانب كونها شاعرة وعاملة، فكم من قصيدة كتبناها ونحن نعجن، وأخرى ونحن نكنس، وأخرى ونحن نغسل، وأخرى ونحن نهدهد صغارنا طمعاً في نومهم، وتبقى المعاني عالقة في الوجدان تتمخض أمام كلّ هذه المتاعب حتى تولد قصيدة.
"الرواية" تصدرت المشهد الأدبي العام المنصرم بينما جاء الشعر ثانياً.. هل نحن نعيش زمن السرد وتقهقر النظم؟
ربما.. فالمهتمون بالشعر أقل، وجمهوره أقل من جمهور القصة القصيرة والمسرح والخطابة، إلا إذا فرض الشاعر نفسه على جمهوره بما يجذبهم إليه من لغة ومعنى وصورة، وهم متابعون واعون ومتفردون، ولهم خصوصيتهم في التلقي والاستماع والنقد أيضاً، وفي نظري أن الجمهور هم قُضاتنا في محكمة الشعر، وقد يحكمون ببراءتنا من عيوب اللغة، وقد يسجنوننا خلف قضبان قصيدةٍ لم نوفّق في كتابتها، أو تعثّرنا في تقديمها لهم.
ما الذي يجعل الشعراء يزحفون إلى ميدان السرد القصصي؟
كما ذكرت لك سابقاً حول السرد القصصي، حيث حرية التحليق فيما يقوله الكاتب من دون تأطير يفرضه الوزن الشعري، أو تحدوه به اللغة، السرد فن يعتمد على الذكاء في صناعة الحبكة، والغوص في مكنونات الشخصية، ومحاولة الزج بالمتلقي في حلبة التشويق، التي تجعله في صراع مع الوقت حتى الوصول إلى نهاية الرواية، أما الشعر فهو فن قائم على ترجمة الإحساس بلغة عميقة، وتقنية لغوية وفنية عالية الدقة، أدواتها الابتكار والدهشة، وحسن الصياغة.
ما الممكن أن تفعله المثقفة السعودية حتى تحافظ على استمراريتها في النشر الأدبي؟
عليها أن تستمر في القراءة والكتابة، وألا تسمح لأي ظرف أن يعيق تحقيق هذه الرسالة السامية، خصوصاً أن إيمانها بذاتها، واعتدادها برسالتها وذكائها في إيصال فنّها للعالم هو السّلم الذهبي للصعود إلى رتبة النجوم، واقتطاف السحاب والانهمار بها فناً وثقافةً وأدباً.
كيف ترين حضور الأدب النسائي اليوم؟ وهل يواجه تحديات؟
الأدب النسائي اليوم في نهوض كبير جداً، نحن نشهد نقلة ثقافية نوعية، وقفزة حضارية لا حد لها، نمثّل وطننا في المهرجانات الخليجية والعالمية، ونجالس كبار الأدباء والشعراء، وهذا من الاستزادة الثقافية الثرية.
والوطن يدعمنا مادياً ومعنوياً ويشجّعنا، ولا شيء يقف في طريقنا طالما نحن مؤمنات بما نفعل، وواثقات من قيمة ما ننتجه، ويؤثّر على الناس، ولا يوجد تحدّيات يمكنها اعتراض هذا الانهمار الفكري، ولا شيء يسقطنا طالما يقف خلفنا أبٌ، وأخ، وزوج، وابن، وقادة، ومفكرون، وصُنَّاع قرارٍ.