@DrAlghamdiMH
في هذا المقال، وبهذا العنوان أسعى لتأكيد أننا نعيش غفلة عن أهمية المدرجات في سفوح الجبال المطيرة في مناطقنا الجنوبية من المملكة حفظها الله. وجودها يرتكز على ثلاث محاور رئيسية. المحور الأول كونها أوعية لحفظ تربة الجبال النادرة. الثاني: كونها أوعية لصيد وتجميع مياه الأمطار وخزنها في هذه التربة. المحور الثالث: كونها مهدا اصطناعيا لزراعة المحاصيل الزراعية على سفوح الجبال شديدة الانحدار.
n تلك المحاور الثلاثة أساس بناء المدرجات الكنتورية. وهناك محور رابع يتشكل أمامنا كنتيجة. حيث أصبحت تراثا مهاريا إنسانيا عالمي الشأن. فهي تمثل إنجازا بيئيا، ثقافيا، اجتماعيا، تاريخيا. بوظيفة مائية وزراعية لن نستطيع تكرار بنائها في ظل تجاهلها ودورها ووظيفتها.
لهذه المدرجات أبعاد متعددة، ولها أكثر من قراءة. تفرض علينا الحفاظ عيلها كتراث مهاري يعول عليه لإنقاذ مستقبل مناطقه من العطش. هذه المدرجات أصبحت هوية تاريخية تراثية للأجيال التي مضت. أيضا ستعزز هوية الأجيال القادمة كدرس وعبرة، لجهد ولفكر آباء لم يعرفوا المستحيل. هذه المدرجات تحمل رسائل بعضها لم نستوعبه بعد. وقد تأتي أجيالنا القادمة لتكتشف رسائل عجزنا عن الوصول إليها في وقتنا الحاضر.
n ضياع (مدر) هذه المدرجات هو ضياع للحياة في مناطقها. ويأتي السؤال كيف يضيع (مدر) هذه المدرجات التراثية التاريخية، ولماذا؟ لضياعها أكثر من طريقة، وأكثر من وسيلة. أجد نفسي مجبرا على ذكر طرق ضياعها رغم أن هدفي الأول هو التنويه إلى أهمية هذه التربة النادرة لتحقيق الغاية النهاية التي انشدها وهو العمل على إنقاذها من الزوال الأبدي.
هذه المدرجات تؤكد أسباب وجود حضارة الحجر التي سادت في مناطقنا المطيرة. فجميعها مبنية من الحجر. نقف حاليا عاجزين عن فهم أهدافها، وعن فهم دورها، وعن فهم وظيفتها. نتيجة لذلك تتعرض للإهمال وبالتالي الضياع.
أجد أن المطر هو أحد أهم أسباب ضياع هذه المدرجات وتهدمها. ونتيجة لذلك تضيع تربتها الثمينة. حيث تتجمع مياه الأمطار في هذه الأوعية، وفي غياب الصيانة تعمل هذه المياه المتجمعة على هدم حجارة هذه المدرجات، وكنتيجة بتم جرف تربتها وحملها مع الماء إلى الضياع الأبدي.
إن فقد (مدر) أي مدرج هو فقد نهائي لا يمكن تعويضه في هذه الجبال. ليس هذا فقط، لكن أيضا تعمل مياه الأمطار على جرف تربة الجبال خارج المدرجات في ظل الإهمال. ونتيجة لذلك تتعرى جذور الغطاء النباتي فيموت.
غياب التربة يعني غياب الماء عن جذور النباتات. أجد في ظل هذا الوضع أن أحد أسباب موت شجر العرعر الجماعي هو جرف التربة، وانكشاف الطبقات الصماء، وبالتالي زيادة سرعة جريان مياه الأمطار. هذا يعمل على جرف المزيد من التربة. نشاهد جزيئات التربة محمولة في السيول التي تجري بلونها الحنطي في طريقها الى الضياع الأبدي.
تربة مناطقنا المطيرة تربة طينية أشبه بالصلصال. هذا يعني أن تسرب المياه عبر حبيباتها قد يستغرق ساعات. هذا يتسبب في سرعة جريانها في حال غياب المدرجات الحجرية، هذا يعني أن تجمع المياه على سطح تربة المدرجات مع غياب الصيانة والاهتمام، يشكل بحيرة ماء سرعان ما تجد مياهها المتجمعة طريقها كـ(فيضانات)، لتشكل شلالات تسحب معها الحجر والمدر. فتتهدم المدرجات وتضيع التربة.
تكرار ذلك الفعل بنزول المطر لا يتوقف في ظل الإهمال. زيادة غزارة الأمطار يزيد من تهدم حجارة المدرجات وجرف (مدرها) الثمين، بجانب جرف تربة سفوح الجبال.
التجاهل القاتل لأهمية المدرجات يسود ويتعاظم، هذا يعني ضياع الحياة في هذه المناطق المطيرة الاستراتيجية على المدى الطويل. التصحر عنوان لا يكفي لوصف الحالة التي ستؤول إليها هذه المناطق المطيرة. ويستمر الحديث عن المطر وتحدياته بعنوان آخر.