كشف تقرير اقتصادي، أن تقنيات البناء المستدام في المشاريع الإنشائية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط، فرصة لخفض الانبعاثات المتولدة عن دورة حياة المباني بنسبة تتراوح ما بين 50 و60%، متوقعا أن تشهد المشاريع الإنشاء الجديدة طفرة كبيرة بقيمة تصل إلى تريليوني دولار.
وتوقع التقرير أن تسهم هذه الطفرة الكبيرة في قطاع الإنشاءات على مستوى المنطقة في تحقيق أثر اقتصادي جوهري عن طريق المساهمة بنسبة تتجاوز 10% سنويًا من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، واستحداث 4,3 مليون فرصة عمل سنويًا حال تنفيذ التوصيات الواردة في التقرير.
17 تطبيقا
يتضمن التقرير 17 تطبيقًا ينطوي على إمكانيات عالية ويمكن تنفيذه على عدة محاور ومنها التنقل، والمناظر الطبيعية المدارة، وكثافة المشاريع الحضرية، والنظم الميكانيكية، والعمليات الإنشائية.
وأوضح أن من أبرز التطبيقات، الأمثلة الخمسة الواردة، وهي: الصرف الصحي: إذ يمكن ببساطة معالجة مياه الصرف الصحي في نفس الموقع الذي تتولد فيه، بما يسهم في خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنحو 90 % ، وتقليل استهلاك الطاقة المرتبط بضخ المياه لموقع المعالجة.
وأضاف أن المثال الثاني، المسارات المستدامة: فيما يمكن أن يؤدي إنشاء الطرق والمسارات من المواد المعاد تدويرها إلى خفض الكربون الكامن بنسبة تتخطى 90 %، علاوةً على تقليل التكلفة بنسبة 50 %، مقارنًة بالطرق الإسفلتية التقليدية، كما أن عملية إنتاجها ستحتاج لطاقة أقل.
وأشار إلى أن "الأسطح الحية" ضمن الأمثلة: إذ تعرف أيضًا باسم الأسطح "المزروعة"، ويمكن أن تسهم في تقليل درجة حرارة الأسطح بنسبة تتراوح من 30 إلى 40 %، فضلًا عن إمكانية استخدامها لتحقيق منفعة إضافية تتمثل في الاحتفاظ بمياه الأمطار وهو أمر له أهمية خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
والمثال الرابع: تجميع الوحدات سابقة التجهيز: فيما يمكن للتصميم بأسلوب تجميع الوحدات سابقة التجهيز خفض الانبعاثات الكربونية الكامنة بنسبة تتجاوز 19 % عبر دور حياة الأصل المبني.
ومن ضمن الأمثلة، الواجهات التفاعلية: إذ تتمتع الواجهات التفاعلية في الدول شديدة الحرارة بإمكانية التعديل استجابةً للبيئة المحيطة، إذ يمكنها زيادة كمية الإضاءة الشمسية المفيدة الموجهة للمباني، والسماح بتوفير الطاقة بنسبة تصل إلى 55 %.
اعتماد تقنيات البناء المبتكرة
يلمح التقرير إلى أن المنطقة مهيأة لتحقيق الريادة العالمية في اعتماد تقنيات البناء المبتكرة التي تركز على الاستدامة في ضوء الاستثمارات الجارية في "البيئات المبنية" الجديدة، والمتوقع أن تصل قيمتها إلى تريليوني دولار حتى عام 2035م.
ووفقًا للتقرير، تعد هذه التقنيات بمثابة فرصة ذهبية لتمكين المنطقة من قطع أكثر من نصف الشوط نحو تحقيق أهداف الانبعاثات الصفرية، مستشهدًا في هذا الصدد بمجموعة من المشاريع الإنشائية الضخمة الجارية في المنطقة ومنها مدينة نيوم المستقبلية في المملكة العربية السعودية، ومدينة لوسيل الترفيهية المخطط إنشائها في دولة قطر.
البيئات المبنية
جدير بالذكر أن مصطلح "البيئات المبنية" يشير إلى المحيط الذي يصنعه الإنسان لتوفير السياق المناسب والممكنات اللازمة للنشاط البشري بما يشمل المباني، والأحياء، والمدن، والبنى التحتية المساندة على غرار مرافق إمداد المياه وشبكات الطاقة.
وتتضمن العمليات المرتبطة بتطوير البيئات المبنية الجديدة التخطيط الحضري، والتطوير العقاري، والأعمال الإنشائية، وبناء الأصول التشغيلية والتي يمكنها كلها الاستفادة من أساليب وتقنيات البناء المبتكرة التي تركز على الاستدامة.
الاستثمارات الضخمة
وقال التقرير: "تعد هذه الاستثمارات الضخمة المخططة في قطاع الإنشاءات بمثابة فرصة لتمكين المنطقة من تحقيق الريادة في اعتماد مجموعة كبيرة من التقنيات والعمليات المستدامة، فالبيئات المبنية مسؤولة – بوجه عام – عن جزء كبير من البصمة الكربونية، إذ أنها تستهلك 37 % تقريبًا من الطاقة، وتولد 39 % من الانبعاثات الكربونية، وتستهلك 40 % من المواد المنتجة عالميًا."
وأضاف "تشير التقديرات إلى أن خفض الانبعاثات المتولدة من مشاريع التطوير الحضري يمكن أن يساعد المنطقة في قطع أكثر من نصف الشوط نحو تحقيق أهداف الانبعاثات الصفرية."
تجدر الإشارة إلى أن بعض التقنيات والابتكارات اللازمة لإعادة تشكيل البيئات المبنية موجودة بالفعل ويمكن للمخططين والمطورين استخدامها فورًا ومنها الاستعانة بالألواح الشمسية، ومواد البناء الصديقة للبيئة، والنظم المدعومة بالذكاء الاصطناعي في المباني، في حين أن بعض التقنيات الأخرى لاتزال في مراحلها الأولى ما يتطلب استثمارًا ووقتًا إضافيًا لتطويرها، واختبارها، وتكاملها.
معيار عالمي جديد
وتابع: "ثمة فرصة ذهبية لتحقيق الريادة وإرساء معيار عالمي جديد إذ يمكن لمنهجية التطوير المستدام – بدءً من التخطيط العمراني وحتى التصميم المعماري، والهندسة المدنية، والنظم الميكانيكية، ومواد البناء – أن تسهم في الارتقاء بجودة الحياة على نطاق واسع، وتعزيز آفاق النمو الاقتصادي، وتطوير المهارات المحلية، واستحداث فرص العمل."
يشير التقرير إلى أن تحقيق الاستفادة الكاملة من هذه الفرصة -التي تبلغ قيمتها تريليوني دولار- سيتطلب من أصحاب العلاقة اتخاذ سلسلة من التدابير لإحداث التغييرات المطلوبة. إذ ينبغي على الجهات التنظيمية أداء دور محوري في تحفيز الطلب على هذه التقنيات عن طريق دمجها في أكواد المباني الصديقة للبيئة على سبيل المثال.
أساليب البناء المستدام
ودعا المطورين إلى العمل على تطبيق أساليب البناء المستدام مع إمكانية اعتماد أهداف محددة ومنها خفض الانبعاثات. إضافةً لذلك، ستكون مشاركة صناديق الثروة السيادية وجهات التمويل الأخرى ضرورية لدفع وتوجيه هذا التحول وذلك عن طريق التركيز على تمويل المشاريع التي تسهم في تحقيق أهداف الانبعاثات الصفرية.
وأوضح أن الأمر سيتطلب تضافر الجهود بين جميع أصحاب العلاقة، ومشاركة الدروس المستفادة من البرامج الاختبارية والتجريبية بما يسهم في دفع عجلة اعتماد الممارسات والابتكارات المستدامة.
50 ابتكارا
وأوضح التقرير الصادر مؤخرًا عن ستراتيجي& الشرق الأوسط وشبكة برايس ووتر هاوس كوبرز، بالتعاون مع دار الهندسة للتصميم والاستشارات الفنية أن البحث تناول نحو 50 ابتكارًا بإمكانه تغيير النمط السائد والانطلاق نحو مفهوم البيئات المبنية المستدامة، بما يسهم في خفض الانبعاثات الكربونية الكامنة والتشغيلية بصورة كبيرة.
وتتضمن هذه الابتكارات مجموعة متنوعة من التدابير ومنها تدابير التكيف والتهيئة مثل تصميم المباني، والتدابير النشطة مثل رفع كفاءة النظم الكهربائية والميكانيكية."
ونوه بوجود العديد من التدابير التي يمكن تنفيذها لمساندة صناع السياسات في قراراتهم التخطيطية، توازيًا مع مساعدة المطورين في الاستفادة من الفرص المتصلة بالبيئات المبنية في المنطقة.